﴿قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ﴾ الذين تخلفوا عن الجهاد ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى﴾ محاربة ﴿قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أصحاب قوة عظيمة. قيل: هم بنو حنيفة. وقيل: فارس والروم ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ﴾ فتقتلونهم وتأسرونهم ﴿أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ فتمسكوا عن قتالهم وأسرهم، ويكون لهم ما للمسلمين: من تكريم وإعظام ﴿فَإِن تُطِيعُواْ﴾ الله والرسول في جهادكم حال كفرهم، وتكريمهم حال إسلامهم ﴿يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً﴾ النصر والغنيمة في الدنيا. والجنة وحسن الثواب في الآخرة ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ﴾ تعرضوا عن الجهاد ﴿كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ﴾ وتخلفتم ﴿يُعَذِّبْكُمْ﴾ الله ﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾ في الدنيا بالذلة والمهانة، وفي الآخرة بالجحيم، والعذاب الأليم
﴿لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ﴾ في التخلف عن الجهاد؛ لأذن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها
﴿وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ﴾ الذي لا يستطيع الجهاد لمرضه ﴿حَرَجٌ﴾ أيضاً في التخلف. هذا ولا يسمى الصداع، أو الحكة، أو ما شابههما، مرض يعوق عن الفريضة العظمى: التي ترفع الرؤوس، وتحفظ النفوس، وتصون الديار، وتحمي الذمار وإنما المرض العائق، الداعي للتخلف: هو ما يمكن الخصم من النيل منك، ويمنعك من الدفاع عن نفسك: كالعمى، والعرج، والمرض الذي يزيد الجهاد في وطأته، ويودي إلى التهلكة ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ ويجاهد في سبيله: يؤته في الدنيا عزة ورفعة، و ﴿يُدْخِلْهُ﴾ في الآخرة ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ ﴿نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾ ﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ يعرض عن الجهاد؛ فله جهنم وبئس المهاد
﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ﴾ يعاهدونك بالحديبية: على الجهاد، وبذل النفس والنفيس؛ في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وبسط دينه، ونصرة نبيه ﴿تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ هي سمرة كانوا يستظلون بها وقتذاك. وقد قطعها عمربن الخطاب رضي الله تعالى عنه؛ حين رأى - بعد رفع الرسول عليه الصلاة والسلام - طواف المسلمين بها، وتعظيمهم لها؛ وهم حديثو عهد بالجاهلية وعبادة الأصنام ﴿فَعَلِمَ﴾ الله تعالى ﴿مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الإيمان، والصدق، والوفاء ﴿فَأنزَلَ السَّكِينَةَ﴾ الطمأنينة ﴿وَأَثَابَهُمْ﴾ جازاهم ﴿فَتْحاً قَرِيباً﴾ نصراً عاجلاً؛ اطمأنت به قلوبهم: وهو فتح خيبر؛ عند انصرافهم من الحديبية
﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾ بعد ذلك؛ من فارس والروم. أو هي مغانم خيبر: وقد غنموا منها أموالاً وعقاراً، وعتاداً. و
﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ﴾ أيضاً ﴿مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ غير هذه المغانم ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ لتطمئن قلوبكم
-[٦٣١]- ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ﴾
بأن قذف في قلوب اليهود الرعب؛ فلم يحاربوكم، ولم يمسوا أموالكم ولا أهليكم بالمدينة عند خروجكم إلى خيبر والحديبية ﴿وَلِتَكُونَ﴾ هذه الغنائم المعجلة ﴿آيَةً﴾ علامة ﴿لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ على صدق وعد الله تعالى؛ وليعلموا أن الله تعالى قد حرسهم في مشهدهم ومغيبهم ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾ هو طريق الطاعة الموصل إلى مرضاته تعالى


الصفحة التالية
Icon