﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي﴾ فيه إشارة إلى أن الصلاة مفتاح للخيرات، وبها تجاب الدعوات؛ وقد كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. ﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي مصدقاً بعيسى عليه السلام؛ لأنه أتى إلى الحياة بكلمة ﴿كُنَّ﴾ فكان ﴿وَسَيِّداً وَحَصُوراً﴾ الحصور: الذي يحصر نفسه ويمنعها عن ملاذها وشهواتها، أو هو المعصوم من الذنوب؛ كأنه حصر نفسه عنها. وقيل: الحصور: الذي لا يأتي النساء ﴿قَالَ﴾ زكريا ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ﴾ كيف يكون لي ولد ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ لا تلد لكبرها
﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِّي آيَةً﴾ علامة على ذلك، أو مرني بأمر إذا وفقت إليه: أعلم منه إجابة دعوتي
﴿قَالَ آيَتُكَ﴾ علامتك ﴿أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً﴾ أي بالإشارة، لا بالنطق. وقد كان صيامهم عن الطعام والكلام ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً﴾ ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً﴾ اعبده ﴿وَسَبِّحْ﴾ بحمده ﴿بِالْعَشِيِّ﴾ وهو من الزوال إلى الغروب ﴿وَالإِبْكَارِ﴾ من طلوع الفجر إلى الضحى. والمراد: طول مدة التسبيح
﴿يمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ اختارك ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ من كل سوء. وقيل: من مس الرجال ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ﴾ قيل: على سائر النساء؛ من بدء الخليقة حتى قيام الساعة. وقيل: عالمي زمانها فحسب؛ وأنها عليها السلام لا تفضل فاطمةبنت محمد عليه الصلاة والسلام، ولا خديجة بنت خويلد؛ واستدلوا بقوله تعالى: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ ولم يقل أحد: إن بني إسرائيل أفضل من أمة خير الأنام؛ بل أن تفضيلهم كان على عالمي زمانهم، أو من تقدمهم من الأمم ﴿يمَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ أديمي الطاعة له، والخشوع والابتهال إليه.


الصفحة التالية
Icon