﴿أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ﴾ بأنفسكم، وتصنعون ما فيه من الحيوانات والجراثيم التي يتكون منها الجنين ﴿أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ له، المدبرون لآثاره؟ ألا ترون أن كثيراً منكم يمنون فلا ينتجون، ويحاولون إيجاد الولد من مظانه الطبيعية فلا يستطيعون؛ إلا إذا أراد خالق الخلق أجمعين ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ يقول تعالى ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً﴾ فتبارك الله رب العالمين
﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ بميقات معلوم، فعجلناه لبعضكم وأخرناه عن البعض الآخر إلى أجل مسمى ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي بعاجزين
﴿عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ نخلق غيركم - من جنسكم - بعد مهلككم ﴿وَنُنشِئَكُمْ﴾ نشأة أخرى ﴿فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي خلق شئنا، وأي نشأة أردنا.
يؤخذ من هذه الآية أن الإنسان قد يخلق بعد موته في خلق أدنأ من خلقته، وأحط من طبيعته؛ تأديباً له وتعذيباً كما أنه يجوز أن يخلق في خلق أعلا من خلقه، وأشرف من جنسه؛ تعظيماً له وتكريماً وهذا القول يعارضه الأكثرون؛ تحرزاً من القول بتناسخ الأرواح
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى﴾ وهي خلق آدم من طين؛ لا يمت إلى الحياة بأي سبب ﴿فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ فهلا تتذكرون ذلك؛ فتعرفون قدرة الخالق؟
﴿لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً﴾ هشيماً متكسراً ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ تعجبون، أو تتندمون على تعبكم فيه؛ وتقولون
﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ أي لملزمون غرامة ما أنفقنا، أو لمهلكون لهلاك رزقنا، وتلف قوتنا. من الغرام؛ وهو الهلاك
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ من ثمرة كدنا وعملنا ﴿مِنَ الْمُزْنِ﴾ السحاب ﴿أُجَاجاً﴾ ملحاً؛ فلم تنتفعوا منه بشرب، ولا غرس، ولا زرع ﴿فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ﴾ فهلا تشكرون ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ توقدون من الشجر الأخضر
﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً﴾ تذكيراً لنار جهنم، أو تذكرة لقدرتنا وعظمتنا ﴿وَمَتَاعاً﴾ منفعة ﴿لِّلْمُقْوِينَ﴾ للمسافرين. أو «للمقوين» أي الخالية بطونهم. يقال: أقوى - من الأضداد - إذا افتقر، أو استغنى. لقد عدد سبحانه وتعالى النعم على عباده: فبدأ بذكر خلق الإنسان؛ فقال ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ﴾ ثم ثنى بما به قوامه ومعيشته؛ وهو الزرع: فقال «أفرأيتم ما تحرثون» ثم بما به حياته؛ وهو الماء: فقالـ
﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ ثم بما به يصطلي، ويصنع طعامه، وبما به يصنع سلاحه؛ الذي به يدفع الغوائل عن نفسه، ويحفظ حياته ووطنه؛ وهي النار: فقال:
﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ فيا له من منعم، ويا له من متفضل؛ وله الحمد حتى يرضى
﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ نزهه عما يقولون
﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾
قالوا: إن «لا» زائدة. أي ﴿أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ وهي مطالع النجوم
-[٦٦٤]- ومساقطها، أو منازلها، أو وقوعها وانتثارها عند قيام الساعة. قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ﴾ أو أريد ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾: منازل القرآن الكريم؛ لأنه نزل منجماً: أي مفرقاً. وقيل: المراد به محكم القرآن


الصفحة التالية
Icon