﴿اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ أي كما أنه تعالى يحيي الأرض بعد موتها؛ كذلك ذكره تعالى يحيي القلوب بعد قساوتها ﴿وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ﴾ أي والذين أقرضوا الله. والمقرض: هو الذي يبذل المال في الحياة الدنيا؛ رجاء ثواب الآخرة ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾ الثواب والأجر ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ الذين سبقوا إلى التصديق. لأن التصديق لا يكون باللسان؛ بل بالجنان وهم آمنوا، وصدقوا، وأنفقوا يقول أصدق القائلين، وأحكم الحاكمين، وأكرم الأكرمين:
﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ﴾ الذين آمنوا بي وبرسلي ﴿وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ أنفقوا في سبيله تعالى؛ من غير رياء، ولا منَ، ولا أذى ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ أولئك هم ﴿الشُّهَدَآءِ﴾ أي في درجة الشهداء: في التنعم والقرب ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ في روضات الجنات ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ الذي أعده الله تعالى لهم ﴿وَنُورُهُمْ﴾
الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم. أو المعنى: «أولئك» الذين مر ذكرهم
﴿هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ وانتهى القول عند ذلك ﴿وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ خبر جديد عن نوع آخر من خواص المؤمنين: وهم الشهداء
﴿اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي متاعها المعجل لكم: ما هو إلا ﴿لَعِبٌ﴾ تلعبونه ﴿وَلَهْوٌ﴾ تتلهون به ﴿وَزِينَةٌ﴾ تتزينون بها ﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ﴾ يفخر بعضكم على بعض، ويسابق بعضكم بعضاً؛ بالأموال، والجاه، والأولاد. وذلك التفاخر والتكاثر، واللهو واللعب والزينة: مثله ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾ مطر نزل على الأرض فازدهرت وأنبتت؛ وقد ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ﴾ الزراع ﴿نَبَاتُهُ﴾ أي نبات ذلك الغيث. وسمي المطر غيثاً: لأنه يغيث الناس من الجوع والفاقة؛ ولذا سمي الكلأ غيثاً: لأنه يغيث الماشية ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ أي يجف ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً﴾ بعد خضرته ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً﴾ يابساً متكسراً. شبه تعالى حال الدنيا، وسرعة انقضائها؛ مع قلة جدواها: بالنبات الذي يعجب الزراع لاستوائه وقوته ونمائه؛ وبعد ذلك يكون حطاماً، ويدركه الفناء. وكذلك حال الدنيا: «حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس» ﴿وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ للكفار؛ الذين ركنوا إلى لهو الدنيا ولعبها، وزينتها والتفاخر فيها ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ لمن آمن بالله، وصدق برسله ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ﴾ وما فيها من تمتع وزخرف ﴿إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ أي إلا متاع مزيف؛ لا أثر له. ورجل مغرور: مخدوع
﴿سَابِقُواْ﴾ بالأعمال الصالحة ﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ﴾ إشارة إلى أنه لا حد لها في العظم، وأنها من السعة بالقدر الذي لا يعرف مداه، ولا يوصل إلى منتهاه


الصفحة التالية
Icon