﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ النجوى: المسارة. والمعنى أنه تعالى حاضر معهم، مطلع على أحوالهم وأعمالهم، وما تهجس به أفئدتهم ﴿وَلاَ أَدْنَى﴾ أقل من الثلاثة ﴿وَلاَ أَكْثَرَ﴾ من الخمسة؛ ولو بلغوا آلاف الآلاف ﴿إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ﴾ في أقطار السموات، أو في أعماق المحيطات
﴿عَنِ النَّجْوَى﴾ عن المسارة ﴿وَإِذَا جَآءُوكَ﴾ ودخلوا عليك ﴿حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ كانوا يقولون للرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه: السام عليك؛ مكان السلام عليك. والسام: الموت ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ﴾ أي هلا يعذبنا ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي كافيتهم ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ يدخلونها
﴿إِذَا تَنَاجَيْتُمْ﴾ تساررتم ﴿وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ﴾ يعني لا تكون مسارتكم إلا بقصد البر بالناس ﴿وَالتَّقْوَى﴾ خشية الله تعالى؛ وهي تشمل كل خير وبر قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ﴾ خافوه، واخشوا عذابه، واعملوا ما يرضيه ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
تجمعون يوم القيامة؛ فيحاسبكم على ما فعلتم من سوء، ويجزيكم على ما قدمتم من خير
﴿إِنَّمَا النَّجْوَى﴾ المسارة بالإثم والمعصية؛ كأن يناجي إنسان إنساناً على إذاية آخر، أو يناجيه على ارتكاب محرم؛ فكل هذا ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ يوعز به لبني الإنسان ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ وهم الذين لم يستمعوا للنجوى؛ بل رأوا المتناجين فظنوا أنها ضدهم. وقيل: كان الرجل يأتي الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فيسأله حاجته؛ فكان إبليس اللعين يوسوس إليهم: إنه ناجى الرسول بشأن شدة الأعداء، وكثرة جموعهم؛ فيحزن المؤمنون لذلك
-[٦٧٣]- ﴿وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ﴾ أي ليس الشيطان بضار أحد من المؤمنين، أو من المتناجي ضدهم ﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾ وحده ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ في سائر أمورهم وأحوالهم؛ فهو جل شأنه لا شك ناصرهم ومعينهم (انظر آية ٨١ من سورة النساء)


الصفحة التالية
Icon