﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ﴾ لا تشغلكم ﴿أَمْوَالُكُمْ﴾ وجمعها والحرص عليها ﴿وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ﴾
وفرط الرغبة في إسعادهم؛ مضحين في سبيل ذلك بأوامر ربكم، وبما فرضه عليكم من الإنفاق والبذل؛ ناسين وعده بالإخلاف والأجر؛ فلا يلهكم الإنشغال بذلك ﴿عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ تذكره، وخشيته؛ وإطعام الفقير في سبيله، وإنفاق المال على حبه ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ فيتلهى بجمع المال، وحفظه للعيال ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ لأموالهم ولآخرتهم؛ بل ولأولادهم أيضاً فكم قد رأينا من أبناء الأغنياء، من أضاع ما جمعه الآباء؛ فيما يغضب الله تعالى من الملذات والشهوات. وبعد ذلك صاروا عالة على المجتمع: يتكففون الناس، ولا يجدون قوت يومهم وما ذاك إلا من سوء نيات آبائهم، وبعدهم عن مرضات ربهم وكم قد رأينا من أبناء الفقراء: من أضحوا - بين عشية وضحاها - سادة؛ بل قادة وما ذاك إلا من اتباع آبائهم لدينهم، واستماعهم لنصح ربهم وتذكر هداك الله قول الحكيم العليم ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً﴾ فاحرص - كفيت ووقيت - على إرضاء مولاك؛ فيقيك الضر والفقر، ويحفظ عليك دينك وبدنك وعيالك؛ ويقيهم المذلة من بعدك، ويحسن دنياك وآخرتك فيا سعادة من جعل ماله ذخراً له عند ربه، وجعل الله تعالى ذخراً لولده من بعده
﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ كما أمركم ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ أي أسبابه ومقدماته ﴿فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا﴾ هلا ﴿أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ﴾ كما أمرت ﴿وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما قصر أحد في الزكاة والحج، إلا سأل الرجعة عند الموت. نعوذ ب الله تعالى من ذلك
﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من خير أو شر؛ فيجزيكم عليه.
سورة التغابن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ أي كل شيء فيهما: من ملك، وإنسان، وحيوان، وجماد (انظر آية ٤٤ من سورة الإسراء) ﴿لَهُ﴾ وحده ﴿الْمُلْكُ﴾ والملكوت، وهو وحده المتصرف فيه؛ لا شريك له ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ على كل حال
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ من نفس واحدة
-[٦٩٠]- ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ﴾ بخالقه، منكر لرازقه ﴿وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾ به، موحد له ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فمعاقبكم على الكفران، ومثيبكم على الإيمان.
وقد ذهب قوم - غفر الله تعالى لهم - إلى أن الله تعالى خلق هذا كافراً، وخلق هذا مؤمناً؛ وبذلك يكون - أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين - قد ألزم الكافر بالكفر، وألزم المؤمن بالإيمان؛ وهذا المعنى - رغم فساده وإفساده - فإنه يتنافى مع قول العزيز الجليل ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فأذع - أيها المؤمن اللبيب - فساد هذا المعنى، وقبحه، وتمسك بما نقول: تحظ بالقبول وتذكر قول الحميد المجيد ﴿وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
قال عليبن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «أتظن أن الذي نهاك دهاك؟ إنما دهاك أسفلك وأعلاك؛ وربك بريء من ذاك وإذا كانت المعصية حتماً؛ فالعقوبة عليها ظلماً»