﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ﴾ المبذرون وعديمو الأهلية، أو هم النساء والصبيان أي لا تؤتي ابنك السفيه، ولا امرأتك السفيهة مالك؛ وكان أبو موسى الأشعري يقول: ثلاثة يدعون الله تعالى فلا يستجيب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى ماله سفيهاً، ورجل كان له دين على آخر فلم يشهد عليه.
والآية في السفهاء عامة بدون تخصيص والسفيه: هو المستحق الحجر؛ لفساده وإفساده وسوء تدبيره؛ فلا تؤتوهم ﴿أَمْوَالَكُمُ﴾ فيتلفونها ويضيعونها؛ وهي ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ﴾ أي جعلها ﴿قِيَاماً﴾ قواماً لأبدانكم، وسبباً لمعاشكم ويدل على أن المراد بذلك الأبناء والزوجات قوله تعالى: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ لأن الإنسان غير مكلف برزق وكسوة سائر السفهاء؛ وإن كان مكلفاً بأن يقول للجميع ﴿قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ والقول المعروف: أن يقول لهم: إن صلحتم ورشدتم أعطيناكم كذا، وسلمنا إليكم كذا وجعلناكم رؤساء آمرين، لا مرءوسين مأمورين؛ وأمثال ذلك. وقد يكون المراد بقوله تعالى: ﴿أَمْوَالَكُمُ﴾: أموالهم؛ فيكون المراد سائر السفهاء كما قدمنا. وسمى مال السفهاء: أموال المخاطبين: لأن المال مشاع الانتفاع بين الناس، وتجب المحافظة عليه على كل واحد منهم
﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى﴾ أي اختبروا صلاحهم ودينهم وعقلهم ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾ أي سن الزواج؛ وهو بلوغ الحلم. هذا وقد قيدت القوانين الوضعية سن الزواج لمصالح ارتآها المقنن؛ وطاعة الحاكم واجبة ما لم تمس حرمات الله تعالى ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ﴾ وجدتم وعرفتم
﴿مِّنْهُمْ رُشْداً﴾ عقلاً وصلاحاً في التصرفات ﴿فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ ليتصرفوا فيها طبقاً لرغباتهم - في حدود ما أمر الله تعالى - وإلا فالحجر واجب على كل سفيه ﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ﴾ أي مسرفين ومبادرين أكل أموالهم قبل أن يكبروا ويتسلموها منكم ﴿وَمَن كَانَ﴾ منكم ﴿غَنِيّاً﴾ أيها الأوصياء فَلْيَسْتَعْفِفْ} أي فلا يأخذ أجراً على وصايته ﴿وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ لا يزيد عن أجر إدارة أموال اليتيم فحسب
﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ﴾ حظ مقدر ﴿مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ﴾ من ذلك أيضاً ﴿نَصِيباً مَّفْرُوضاً﴾ فرضه الله تعالى
﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ قسمة الميراث ﴿أُوْلُواْ الْقُرْبَى﴾ ذوو القربة؛ ممن لا يرث
-[٩٢]- حضر ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ﴾ من الميراث بقدر ما تطيب به نفوسكم ﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ ترضية لنفوسهم، وتطييباً لقلوبهم. وهي وصية لأولي القربى: الذين يحزنون ولا يرثون. قال تعالى: ﴿إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وقد ذهب بعضهم إلى نسخ ذلك الحكم؛ وهو محكم وليس بمنسوخ؛ وقد أجمع على ذلك الصدر الأول من الإسلام: فقد روي عن يحيىبن يعمر رضي الله تعالى عنه: ثلاث آيات محكمات مدنيات؛ تركهن الناس: هذه الآية، وآية الاستئذان ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ وآية التعارف ﴿يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ﴾ وقيل: على الوارث الإعطاء، وعلى المعطى له قول المعروف