﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ﴾ فخص في الأولى الإناث وحدهن، وفي الثانية الرجال وحدهم؛ فبان لنا من ذلك أنه تعالى إنما عنى في الأولى المساحقة، وفي الثانية اللواط ﴿فَآذُوهُمَا﴾ أي اللائط والملوط به: والإيذاء يكون بالضرب، والتوبيخ، والتشنيع، والتعبير، والهجران، وغير ذلك. وهو دليل أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه؛ في حد اللائط بالتعزير. والتعزير قد يصل إلى حد القتل؛ وقد قضوا في اللائط؛ بأن يلقى من حالق واللواط من الفواحش الذميمة التي يستحق مرتكبها أن يقطع إرباً، ويلقى للكلاب؛ جزاء فعلته التي قبحها الله وتوعد فاعلها عافانا الله تعالى من كل ما يغضبه بمنه وكرمه، وأنجانا من ذل المعصية، ووهبنا عز الطاعة؛ إنه سميع مجيب
﴿فَإِن تَابَا﴾ عن اللواط ﴿وَأَصْلَحَا﴾ أعمالهما ﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ﴾ توقفوا عن إذايتهما؛ ما داما قد تابا إلىالله، وأصلحا ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً﴾ قابلاً لتوبة من تاب ﴿رَّحِيماً﴾ بعباده؛ إذا حسنت توبتهم: بدل سيئاتهم حسنات
﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ﴾ يقبلها ويثيب فاعلها ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ بجهل منهم عاقبة أمرهم ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ أي يتوبون سريعاً، ويرجعون إلى مولاهم ومن علامة التوبة النصوح: عدم العود إلى الذنب؛ وإلا فالعائد لذنبه، كالمستهزىء بربه وهذه هي التوبة المتقبلة؛ التي تجعل صاحبها في عداد الطيبين الصالحين
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ ولا يعبأون بفاطر الأرض والسموات وهم أهل الإصرار على المعاصي ﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ أي حضرت أسبابه ومقدماته، وأخذ في النزع ﴿قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾ فهذا الغر لا تقبل توبته، ولا ترد غربته، ولا تحمد أوبته فما أشبهه بفرعون - حين أدركه الغرق، وأخذ الموت بتلابيبه - قال: ﴿آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَائِيلَ﴾ فقيل له: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (انظر آية ٩١ من سورة يونس) ﴿وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا﴾ أعددنا وهيأنا ﴿لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ في جهنم وبئس المصير
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ
-[٩٥]- كَرْهاً﴾
أي لا يحل لكم أن تأخذوا نساء مورثكم فتتزوجوهن كأنهن من الميراث المتروك لكم؛ وكان ذلك شأنهم في الجاهلية. وقد يكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوهن أحياء؛ فتأخذوا أموالهن كرهاً ﴿وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾ العضل: الحبس والتضييق ﴿لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ﴾
من المهر ونحوه ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ﴾ هي الزنا. وقيل: ما تستحيل معه المعيشة: كالنشوز، وإيذاء الزوج وأهله؛ فهنا فقط يجوز للزوج أن يسترد ما آتاها ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالمودة والرحمة اللتان فرضهما الله تعالى بين الأزواج ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ وهو حث كريم على العطف وعدم التطليق إلا للضرورة القصوى التي تستحيل معها جنة الحياة الزوجية، إلى جحيم الشحناء والبغضاء


الصفحة التالية
Icon