في قراءة من قرأ كذلك، لأنها إنما عملت لشبهها بالفعل كما ذكره والفعل قد يعمل وهو محذوف، نحو: لم يك زيدٌ قائماً، ولم يخشَ عبدُ الله أحداً وما أشبه بذلك، وقد أعمل اسم الفاعل والمصدر لشبههما بالفعل، ولا يجوز إلغاؤهما. وأيضاً فإن (اللام) تمنع من هذا التأويل؛ لأنّ (إن) إذا ألغيت ارتفع ما بعدها بالابتداء و (اللام) لا تدخل على خبر المبتدأ كما قدمناه.
وقيل: (هذان) في موضع نصب إلا أنّه مبني لأنّه حُمِل على الواحد والجمع وهما مبنيان، نحو: هذا: هَؤُلَاءِ. وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأنَّه لا يعرف في غير هذا المكان. ولأن التثنية لا تختلف ولا تأتي إلا على طريقة واحدة. والواحد والجمع يختلفان. فجاز منهما البناء ولم يجز في التثنية لأنّ فيها دليل الإعراب وهو (الألف) ومحال أن تكون الكلمة مبنية معربة في حال.
وقيل: هذه الألف ليست بألف تثنية، وإنما هي ألف (هذا) زيدت عليها النون، وهذا قول الفراء، وهو أيضًا غير صحيح؛ لأنّه لا تكون تثنيةً ولا علم للتثنية فيها، فإن قيل: النون علم التثنية، قيل: النون لا يصح أن تكون علم التثنية لأنها لم تأت في غير هذا الموضع كذلك، ألا ترى أنها تسقط في نحو قولك: غلاما زيد، فلو كانت علم التثنية لم يجز حذفها، وإنما النون في قولك (هذان) عوض من الألف المحذوفة هذا قول السيرافي، وقال أبو الفتح: هذه النون دخلت في المبهم لشبهه بالمتمكن وذلك أنّه يوصف ويوصف به ويصغر، فأشبه المتمكن من هذه الطريقة، ألا ترى أنّ المضمر لما بَعُد من المتمكن لم يوصف ولم يوصف به ولم يصغر.
وقال الزجاج: في الكلام حذف، والتقدير: إنه هذان لهما ساحران. فحذف (الهاء) فصار: إن هذان لهما ساحران، ثم حذف المبتدأ الذي هو (هما) فاتصلت اللام بقوله (ساحران) فصار: إنّ هذان لساحران، فـ (لساحران) على هذا القول خبر مبتدأ محذوف وذلك المبتدأ مع خبره خبر عن (هذان) و (هذان) مع خبره خبر (إنّ)، وقد ذكرنا ما في حذف (الهاء) من القبح. وأنه من ضرورة الشعر، وأما ما ذكره من إضمار المبتدأ تخيلا للام فتعسف لا يعرف له نظير.


الصفحة التالية
Icon