وقرأ ابن كثير (لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمَ) بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع والتنوين.
فمن نصب أعمل (لا) في الموضعين وهي تنصب النكرة بلا تنوين؛ لأنَّها مشبهة بـ (إنَّ)، وذلك أنّ (إنَّ) موجبة و (لا) نافية. والعرب تحمل النقيض على النقيض. كما تحمل النظير على النظير، فلما كانت (إنَّ) تنصب الاسم وترفع الخبر، أعملوا (لا) ذلك العمل، وحكى يونس: لا رجلَ أفضلُ منك، تنصب (رجل) وترفع (أفضل) لأنّه خبر (لا) إلا أنها نقصت عن حكم (إنَّ) فلم تعمل إلا في النكرة، وذلك أنّ (إنَّ) مشبهة بالفعل، و (لا) مشبهة بـ (إنَّ) فلما كانت مشبهة بالشبه قُصِرت على شيء واحد، ولهذا نظير، وذلك أنك تقول: تالله ووالله وبربك ووربك، وتقول: تالله، ولا يجوز: تريك؛ وذلك أنّ (التاء) بدل من (الواو) و (الواو) بدل من (الباء) فلما كانت (التاء) مبدلة من مبدل قُصرت على شيءٍ واحد، وكذلك: فلانٌ من آل فلانٍ. ولا يجوز: فلان من آل المدينة؛ لأنَّ (الألف) من الآل بدل من (الهمزة) و (الهمزة) بدل من (أهل) فصارت بدلًا من بدل فقصرت على شيءٍ واحد، وكذلك: أسنى القوم، اذا دخلوا في السنة، وسواء كانت مخصبة أو مجدبة، فإذا قالوا: استنوا، لم يقع إلا على المجدبة؛ لأنّ (التاء) بدل من (الياء) و (الياء) بدل من (الواو) و (الهاء) على الخلاف في ذلك؛ لأنّه يقال؛ سانهت وسانيت، وقالوا: سنوات وسنة سنهاء، وهذا كله مذهب سيبويه، وذهب غيره من النحويين إلى أنّ (لا) مبنية مع ما بعدها على الفتح، وليس ما بعدها معربًا ولكنه مبني لتضمنه معنى الحرف؛ لأنّ حق الجواب أن يكون وفق السؤال و (لا) جواب لمن قال، هل من رجل عندك؟ فجوابه: لا رجل عندي، وكان يجب أن يقول: لا من رجلٍ، إلا أنّ (من) حذفت. وضُمن الكلام معناها، ووجب البناء؛ لأنّ كل ما تضمن معنى الحرف يُبنى. فإن قال: هل رجلٌ عندك؟ - قلت: لا رجلٌ عندي ترفع لا غير؛ لأنَّ الكلام لم يتضمن معنى (من) والنصب أبلغ في المعنى لتضمنه معنى (من) لأنّ (من) يدخل في " النفي " لاستفراق الجنس، نحو قولك: ما


الصفحة التالية
Icon