قال علي بن عيسى: دخل كاف الخطاب كما دخل في: ناهيك به شرفاً وحسبك به كرماً، أي: لا تطلب زيادة على حلالة حاله، فكذلك سلام لك منهم، أي: لا تطلب زيادة على سلامتهم جلالة وعظم منزلة.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم كان التبرك باليمين؟
والجواب: أنّ العمل يتيسر بها؛ لأنّ الشمال يتعسّر العمل بها من نحو: الكتابة والتجارة والأعمال الدقيقة.
قال الفراء: المعنى في قوله (فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ):
فسلام لك أنك من أصحاب اليمين. فألقيت (أنّ) وهو معناها، كما تقول: أنت مصدق ومسافرٌ عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل. وكذلك تجده في قولك: إنك مسافر عن قليل، قال: والمعنى: فسلام لك أنت من أصحاب اليمين، ويكون كالدعاء له، كقولك: سقياً لك من الرجال، وإن رفعت (السلام) فهو دعاء. وقال قتادة المعنى: فسلامٌ لك أيُّها الإنسان الذي هو لك من أصحاب اليمين من عذاب الله. وسلمت عليه الملائكة، وقيل المعنى: سلمت مما تكره لأنك من أصحاب اليمين.
قال أبو الفتح بن جني: في الكلام تقديم وتأخير والتقدير: مهما يكن من شيء فسلام لك إن كان من أصحاب اليمين، ولا ينبغي أن يكون موضع (إن كان) إلا هذا الموضع؛ لأنَّه لو كان موضعه بعد (الفاء) يليها لكان قوله: (فَسَلَامٌ لَكَ) جواباً له في اللفظ لا في المعنى، ولو كان جوابا له في اللفظ لوجب إدخال (الفاء) عليه لأنّه لا يجوز في سعة الكلام: إن كان من أصحاب اليمين سلامٌ له. فلمَّا وجد (الفاء) فيه ثبت أنّه ليس بجواب لقوله (إن كان) في اللفظ، وإذا ثبت أنّه ليس


الصفحة التالية
Icon