ولو أرشدوا لَنَقِمُوا على الطرفين وكانت نقمتهم أعظم على المعطلة الدهرية أرباب العلوم الحديثة من جهة تعطيلهم، وينقمون على أرباب الكنائس كفرهم وشركهم، لكن تكون النقمة على المعطلة أعظم من النقمة على المثلثة، كيف وكثير ممن كتبوا عن هذه العلوم لم ينقموا على أهل الكنائس شركهم إنما نقموا عليهم أشد النقمة لمعارضتهم مَنْ سَمّوْهم: (علماء). صبوا عليهم جام غضبهم لأجل ذلك لا لأجل الكفر، والرب سبحانه من أسمائه (العدل) وحكمه كله عدل لا ظلم فيه ولا مثقال ذرة، وقد أنزل على نبيه فيما يخص أهل الكتاب وهو لنا أيضاً: (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)، وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ) وغير ذلك من الآيات البيّنة في الأمر بالعدل في كل شيء ومع كل أحد.
وليعلم الناظر في هذا أننا ولله الحمد نُنكر على من ينفي ما لا يعلمه إذ حجّته عدم علمه، لأن عدم العلم بالشيء ليس بعلم فلا يوجب النفي ولا الإثبات وإنما التوقف وقول (الله أعلم) فهذه آداب شرعنا وقد قال تعالى في ذَمّ من يُنكر الشيء لعدم علمه به (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ) فهذا كَذَّبَ بما لم يعلم وجوده أو بما لم يعلم حقيقته لا بما يعلم أنه كذِب، وفرْقٌ بين هذا وهذا.
فإذا قيل: أنتَ أنكرتَ الذرة التي اكتشفها الباحثون والعلماء والجُدد وأمرها ظاهر بَيّن في العلم كله اليوم فهذه مكابرة، قيل: أما الذرة نفسها


الصفحة التالية
Icon