فالعلم السابق ليس كاشفاً لما سيعمل العباد فهذا يُشعر بمذهب القدرية الذين يزعمون أن العبد يخلق فعله اسْتقلالاً بل علم الله الذي كتبه في اللوح مُقارن لإرادته سبحانه أن يقع هذا المعلوم كما أراد، فقط أن علمه وإرادته سبحانه متقدمة وقوع الفعل من العباد كما تقدم ذلك وجودهم، فإذا وُجدوا أظهر معلومة فيهم كما كتبه علماً في اللوح فعملوا على مقتضى ما عَلِم وأراد وكَتب، فهذه ثلاث مراتب: (العلم) و (الإرادة وهي المشيئة) و (الكتابة) بقيت مرتبة رابعة إذا علمها العبد واعتقادها يحل الإشكال ويتبيّن الحق من الضلال، وهي مرتبة (خلق الأفعال) وهذه مراتب القدر الأربع من لم يُحْكمها اضطرب في شأن القدر، فنفي أن يكون لعلم الله السابق قوة تسوقنا إلى فعل الأشياء، هذا من جنس مذهب القدرية.
أما قوله: (مكرهين) فنفيه الإكراه هنا يزيد الأمر وضوحاً وكأنّ العبد يفعل بإرادة وقدرة مستقلة وهذا باطل وهو مذهب القدرية.
وأهل السنة يثبتون خلق الله سبحانه لأفعال العباد وينفون أن يكون ذلك إكراهاً أو إرغاماً أو جبراً إذ العبد يفعل بقدرة واختيار وإرادة، فهذا يُخرجه من أن يوصف بأنه مكره ومجبر، والله سبحانه هو الخالق لفعله بأن جعله قادراً مختاراً مريداً، وهذا يخرجه من أن يوصف بأنه خالق لفعله.