فإذا أدى إلى هذا الاختلاف فلابد من معرفته يدل عليه أن اللَّه تعالى أنزل هذا القرآن على نبيه نجومًا متفرقة على قدر الأحكام فمن نجم فيه آية وأخر اثنان وثلاث وأكثر من ذلك حتى إن جبريل كان يقول لرسول اللَّه - ﷺ - اجعلْ هذه الآية في - السورة الفلانية أو في موضع الفلاني، وأمر رسول اللَّه - ﷺ - الصحابة بذلك حتى إن كان بين نزول آخر سورة وأولها سنة فنزلت (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ) ثم بعد سنة نزلت (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى) فنسخ بعض ما في الأولى بالثانية، وأيضًا أنه لو لم يعرف العدد لما علم الناسخ والمنسوخ ألا ترى أنهم قالوا: نسخت آية القتال مائة وأربعة وعشرين آية، ومن جحد علم العدد فقد جحد علم الحروف والكلمات والأعشار والأخماس والسور ألا ترى أنهم قالوا: اتفقوا على آية مائة وأربعة عشرة سورة، وتركوا قول من قال، وثلاثة عشر وقول أبي التوبة، وابن مسعود في المعوذتين وبعض أهل العلم في (أَلَم نَشرَح)، (والضحى)، و (أَلَم تَرَ كيفَ) و (لِإِيلَافِ) وحتى جعلوها سورتين، وليس ذلك إلا بالعدد إلى أن قالوا: نصف القرآن ألف آية وكذا وكذا وفرقوا بين آية اللطيفة والطويلة ولو لم تعرف الآية لما علم به الإعجاز ألا ترى أن الإجماع انعقد أن الصلاة لا تصح بنصف آية ولا حكم لمن قال تصح الصلاة من غير قراءة القرآن؛ إذ خلافه لا يعد خلافًا فإنهم اختلفوا في الآية القصيرة والطويلة بعد اختلافهم في أنها لا تصح إلا بفاتحة الكتاب أو هل تصح حتى إن بعض العلماء قال: لابد من ثلاث آيات وقال بعضهم: لابد من تسع آيات، وقال بعضهم: يجزئ آية إذا لم يكن هناك عذر مع هذا الاختلاف.
واتفقوا على أن أقل من آية لا يجزئ فلو أن العدد معتبر لما علم ذلك والإعجاز لا يقع بدون آية حتى أن الجنب والحائض أن يقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ)، و (بِسْمِ اللَّهِ)، وإن قيل: إنهما آية يجب أن لا يريدا القرآن بقوله، ولكن لو قال هذا القدر لم يخرج،