أولاً: لو أنّ الإنسانَ شَرِبَ ماءً يغلي، فالأمعاءُ لا تشعرُ بالحرارةِ، ذلك أنّ حكمةَ اللهِ تعالى قد جعلتِ الأمعاءَ الدقيقةَ والغليظةَ خاليةً مِن أعصابِ حسٍّ خلُوّاً كاملاً، فالأمعاءُ محاطةٌ بغشاءٍ، هذا الغشاءُ له وظائفُ كثيرةٌ، مِن وظائفِه أنه يحمِلُها على نحو مرنٍ، أي يسمحُ لها بالحركةِ، وهذا من أدقِّ الأعمالِ، لأن حركةَ الأمعاءِ في الهضمِ أساسُها ميكانيكيٌّ، وهذا الغشاءُ فيه نهاياتٌ عصبيةٌ، وهذا الغشاءُ فيه مراكزُ لمفاويةٌ، هذه المراكزُ بمنزلةِ أجهزةِ دفاعٍ في الجسمِ البشريِّ، فلو أنّ التهاباً حادّاً أصابَ الأمعاءَ، فانثقبتْ، لتحرَّكَ الغشاءُ البريتوانيُّ ليصنعَ مصلاً يلتهمُ هذه الجراثيمَ، ويشعرُ الإنسانُ بالألمِ، وهذه الآلامُ التي يشعرُ بها الإنسان في بطنِه ليس مصدرُها الأمعاءَ، بل مصدرُها الغشاءُ البريتواني، الذي هو جهازُ الإنذارِ الأولِ، لو حدثَ ثقبٌ في الأمعاء، أو التهابٌ حادٌّ، وحدثتْ إنتاناتٌ، فهذا الغشاءُ البريتواني فيه نهاياتٌ عصبيةٌ تُشعِرُ الإنسانَ بالألمِ.
وثمة مراكزُ دفاعٍ تستخبرُ عن طبيعةِ الجرثومِ، وتصنعُ مصلاً مضاداً، وتلتهمُ الجرثومَ، وتطوِّقُ هذه المشكلةَ، هذا الغشاءُ الرقيقُ تجدُه عندَ القصّابِ بين الأمعاءِ، فيه عُقَدٌ بلغميةٌ صغيرةٌ ككتل شحميةٍ، هذه العقدُ البلغميةُ أجهزةُ دفاعٍ من أرقى الأجهزةِ، فيها جنودٌ تكتشفُ طبيعةَ العدوِّ، وجنودٌ مقاتلةٌ، وفيها معملٌ للمُصولِ.
وفي هذا الغشاءِ نهاياتٌ عصبيةٌ، فكلُّ آلامِ البطنِ تعدُّ جهازَ الإنذارِ المبكّرِ، وكلُّ هذه الغددِ تعدُّ أجهزةَ دفاعٍ عن هذه الأمعاءِ التي هي أساسيةٌ في حياةِ الإنسانِ، ولكنْ لحكمةٍ بالغةٍ ليس في الأمعاءِ أعصابُ حسٍّ، فمتى تنقلُ الألمَ لصاحبِه إذاً؟ إذَا حَدَثَ ثقبٌ في الأمعاءِ، تصبحُ الآلامُ لا تطاقُ، قال تعالى:
﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥].
إنْ قُطِّعَتِ الأمعاءُ شعرَ الإنسانُ بالألمِ، إذا ثُقِبَتِ الأمعاءُ شَعَرَ الإنسانُ بالألمِ، لذلك: ﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾.