هذه الآيةُ تتوافقُ مع أحدثِ مُعطياتِ العلمِ، ولولا أنّ القرآنَ كلامُ اللهِ لَمَا أمكنَ للنبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ أنْ يكشفَ هذه الحقيقةَ، لأنّ طبيعةَ العصرِ الذي نَزَلَ فيه القرآنُ في كلِّ معطياتِه العلميةِ لا ترقى إلى هذه الحقيقةِ، هذا الغشاءُ الذي يتمتَّعُ بنهاياتٍ عصبيةٍ حساسةٍ جداً لا يمكنُ لها أن تُشْعِرَ بالألمِ إلاّ في حال ثقبِ الأمعاءِ، وأمّا الإحساسُ بالألمِ في الأمعاءِ فغيرُ موجودٍ، فلو شرِبَ الإنسانُ ماءً يغلي لم يشعر في أمعائِه بشيءٍ.
فمتَى يؤلِمُهم؟ حينما يقطِّعُ الماءُ الحميدُ أمعاءَهم، قال تعالى: ﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥].
كلّما كَشَفَ الإنسانُ حقيقةً في جسمِه ازدادَ تعظيماً للهِ عز وجل، فهذا كتابُ اللهِ، كتابُ خالقِ البشرِ، وهو الكتابُ المقرَّرُ، والمنهجُ الحكيمُ، والصراطُ المستقيمُ، والنورُ المبينُ، والحبلُ المتينُ.
المعدة وعامل "كاسل"
هذه المعدةُ التي زوَّدنا اللهُ بها، والحديثُ عنها طويلٌ جداً، لا تتّسع له المقالاتُ الكثيرةُ، ولكن نقتصر هنا على واحدةٍ من الآياتِ الدالةِ على عظمةِ اللهِ، وهي أنّ هذه المعدةَ زوّدها اللهُ بأربعةِ أغشيةٍ، وأنّ بعضَ هذه الطبقاتِ طبقاتٌ عضليةٌ، وفيها عضلاتٌ منوعةٌ، عضلاتٌ دائريةٌ، وعضلاتٌ مستقيمةٌ، وعضلاتٌ مائلةٌ، حيث تحقِّقُ كلَّ التقلُّصاتِ التي تعينُ على هضمِ الطعامِ.
الشيءُ المهمُّ في المعدةِ أنّ فيها ما يزيد على خمسةٍ وثلاثينَ مليونَ غدةٍ هاضمةٍ، بمعدل ثمانمئةِ غدّةٍ في كل سنتيمترٍ مربعٍ، هذه الغددُ تفرزُ الأنزيماتِ، وتفرزُ حمضَ كلورِ الماءِ، والذي هو مادةٌ تذيبُ كلَّ شيءٍ، حتّى اللحمَ، والسؤالُ الكبيرُ الذي ليس له إجابة شافية إلى الآن: لمَ لا تهضمُ المعدةُ نفسَها؟ نأكلُ اللحمَ فتهضمهُ، وهي من لحمٍ، والمادةُ التي تفرزُها تهضمُ اللحمَ، فلمَ لا تهضمُ المعدةُ نفسَها؟ سؤالٌ كبيرٌ، والإجابةُ عنه فيها بديع خَلق الله تعالى.