شيءٌ آخرُ: جاؤوا بنباتٍ، ووضعوهُ بشكلٍ أُفُقِيٍّ في أنبوبٍ، فإذا بالجذرِ يتّجهُ نحو الأسفلِ، وبالساقِ يتّجهُ نحو الأعلى، فالجذرُ يتجهُ نحو الرطوبةِ والماءِ، والساقُ يتّجِهُ نحو الشمسِ والهواءِ، فمن الذي جَعَلَ هذا النباتَ يتجهُ جزءٌ منه نحو أشعةِ الشمس، وجزءٌ يتجهُ نحو الأرضِ ﴿أإلاه مَّعَ الله﴾.
أمْرٌ آخر: هناك أشجارٌ يصلُ طولُ جذورِها إلى ثلاثينَ متراً بحثاً عن الماءِ، فمَن أودعَ في النباتِ هذه الخاصيَّةَ؟ الساقُ يتجهُ نحو الأعلى، والجذرُ يتجهُ نحو الأسفلِ، فلو كان الماءُ في طرفٍ مِنَ التربةِ دون طرفٍ لاتجهتِ الجذورُ نحو الماءِ، وهي في باطنِ الأرضِ، ولو كان الساقُ متجهاً نحو الأعلى، وكان الضوءُ من جهةٍ أخرى لاتجهتِ الأغصانُ نحو الضوءِ، والسؤال: هل المادةُ عاقلةٌ؟
إنّ ظاهرةَ النباتِ وحْدَها تلفتُ النظرَ، فإنّ الانجذابَ نحو الضوءِ، والانجذابَ نحو الماءِ، والانجذابَ نحو الأرضِ للجذورِ، ونحو السماءِ للفروعِ آيةٌ من آياتِ اللهِ الدالَّةِ على عظمتِه.
هناك ظاهرةٌ في النباتِ تؤكِّدُ عظمةَ اللهِ، حيث إنّ النباتَ إذا عطشَ ينبغي أنْ يستهلكَ ماءَ الجذورِ، ومع ذلك فهو لا يستهلكُ إلا ماءَ الأوراق، وبعد أنْ يستهلكَ ماءَ الأوراقِ يستهلكُ ماءَ الأغصانِ، وبعد أنْ يستهلكَ ماءَ الأغصانِ يستهلكُ ماءَ الفروعِ، وبعد أنْ يستهلكَ ماءَ الفروعِ يستهلكُ ماءَ الجذعِ، وبعدَ أنْ يستهلكَ ماءَ الجذعِ يستهلكُ ماءَ الجذورِ، فآخِرُ ماءٍ يستهلِكُه النباتُ حينما يُمنعُ من الريِّ هو ماءُ الجذور، فقد ينسى الفلاحُ أنْ يسقيَ الشجرةَ أياماً طويلةً، وقد تشحُّ السماءُ بماءِ الأمطارِ، لكنّ هذا النباتَ لا يستهلكُ إلا الماءَ الذي لا يضرُّ عدمُ وجودِه، وآخِرُ ماءٍ يستهلكُه النباتُ هو ماء الجذورِ، فإذا استهلك ماءَ الجذورِ، ويبستِ الجذورُ يبسَ النباتُ، وماتَ.
أَيُّ حكمةٍ وراءَ هذه القاعدةِ؟ ﴿قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١].