لقد سمَّى ربُّنا سبحانه وتعالى زيتَ الزيتونِ وقوداً، فقال سبحانه: ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ [النور: ٣٥]، ومعنى كونِه وقوداً أنه وقودٌ لهذا الجسمِ البَشَرِيِّ.
لقد اكتشفَ العلماءُ أنّ كلَّ غرامٍ واحدٍ من زيتِ الزيتونِ فيه ثماني حُرَيْرَاتٍ - ثماني وحداتٍ حراريةٍ - فإذا تناولَ الإنسانُ مئةَ غرامٍ فكأنما استمدَّ طاقةً تزيدُ على ثمانمئة حُريرةٍ، أي على نصفِ حاجتهِ اليوميةِ مِنَ الغذاءِ.
الشيءُ الذي يلفتُ النظرَ أنّ اللهَ سبحانه وتعالى جَعَلَ في هذا الزيتِ خاصّةً، وهي أنه مادّةٌ دسمةٌ غيرُ مُشْبَعَةٍ، ومعنى أنها غيرُ مشبَعةٍ، أي تلتهمُ ذرَّاتِ الدهنِ العالقةَ في الدمِ.
يقولُ بعضُ الأطباءِ: "إنَّ عمُرَ الإنسانِ من عُمُرِ شرايينِه"، ومن الأمراضِ الخطيرةِ مرضُ تصلُّبِ الشرايينِ، وترسُّبِ الموادِّ الدهنيةِ على جُدُرِها، حيثُ تضيقُ اللمعةُ، ويجهدُ القلبُ.
والشيءُ الدقيقُ أنّ اللهَ سبحانه وتعالى جَعَلَ في هذا الزيتِ مادّةً مليِّنةً للشرايينِ، ومادّةً مجرِّفةً للدهونِ التي تترسَّبُ على جدرانها، وجعلَ في هذا الزيتِ مادّةً دهنيةً غيرَ مشبعةٍ، أمّا الزيوتُ الحيوانيةُ المشبعةُ فهي تبقى عالقةً في الدمِ، ويمكنُ مع النومِ الطويلِ المديدِ أنْ تترسَّبَ على جدرانِ الشرايينِ، ممّا يسبِّبُ ضيقَها، وتصلُّبَها، وما إلى ذلك من متاعبَ قلبيَّةٍ خطيرةٍ، يقول تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ﴾ [المؤمنون: ٢٠].
وفي آيةٍ ثانيةٍ يقولُ اللهُ جلَّ جلالهُ: ﴿الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ على نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ﴾ [النور: ٣٥].