يجبُ أنْ نفهمَ الدينَ هذا الفهمَ العميقَ، فإذا رأيتَ جسراً، وعليه لوحةٌ كُتِبَ عليها: "الحمولةُ القصوى خمسةُ أطنانٍ"، وأنتَ تقودُ شاحنةً حمولتُها سبعةُ أطنانٍ، فإذا أردتَ أنْ تسيرَ على هذا الجسرِ، هل تقول: هل أُخَالَفُ؟ هل هناك مَن يراقبني؟ لا، القضيةُ أعمقُ من ذلك، لنْ يخالِفَك أحدٌ، وإذا مررتَ على هذا الجسرِ فلا بد أنْ تسقطَ في النهرِ، هذه اللوحةُ التي كُتِبَتْ على هذا الجسرِ ليستْ حدّاً لحريتِك، ولكنَّها ضمانٌ لسلامتِك، هكذا ينبغي أنْ يفهمَ المؤمنُ، لذلك حدَّ ربُّنا عز وجل حدوداً، قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة: ٢٢٩].
كهذا التيارِ الكهربائيِّ العالي تَوَتُّرُهُ، حوْلَ هذا التيارِ ساحةٌ تجذِبُ إليه، إذا كانت المعاصي مِن هذا النوعِ انطبقَتِ الآيةُ الأخرى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة: ١٨٧].
فالمسافةُ كبيرةٌ بين: ﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾، و: ﴿فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾، فالحدودُ التي مِن شأنِها أنْ تَجذِبَ الإنسانَ إليها لا تقرَبُوها.
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى﴾ [الإسراء: ٣٢]، الزنى خطواتٌ، وقال عز وجل: ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾، أمّا أكل المال الحرامِ، ﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾، وعلى كلٍّ هي حدودُ سلامتِك، إذا قلنا: حدودُ الله، فهي حدودٌ لسلامتك، وأنْ يرضى اللهُ عنك، وأنْ تستحقَّ عنايةَ اللهِ بك، وأنْ تستحقَّ حفْظَ الله لك، هذه كلُّها ضمنَ حدودِ اللهِ، فإذا كنتَ في طاعةِ الله فأنت في ذمةِ الله، وفي حفظ الله، وفي توفيقه، فلو أننا بحثنا عن كل طاعةٍ، وعن كل معصية لعَرَفْنا أنها تنطوي على خيرٍ ليس له حدودُ، وأنّ المعصيةَ تنطوي على شرٍّ ليس له حدود، ولكنْ على الإنسانَ أنْ يفهمَ، وعليه أنْ يُسَلِّمَ فيما لا يفهمْ.
الحكمة من تذكية الذبيحة