إنّ الطيورَ مِن أكثرِ مخلوقاتِ اللهِ جمالاً، ومِن أجملِها نغماً، ومِن أكثرِها استحواذاً على الإعجابِ، تُوجَدُ في كلِّ بقعةٍ من بقاعِ العالمِ؛ في أطرافِ المناطقِ القُطبيةِ، في قِمَمِ الجبالِ الشامخةِ، في أكثرِ البحارِ هيجاناً، في أكثرِ الغابات ظلمةً، في أكثر الصحارى عُرياً، في أكثرِ المدنِ ازدحاماً.
عَدّ العلماءُ حتى هذا التاريخِ مِن أنواعِ الطيورِ ما يزيدُ على تسعةِ آلافِ نوعٍ، وقد زوّدَ اللهُ سبحانه وتعالى الطيرَ بوزنٍ خفيفٍ، يُعِينُه على الطيرانِ، وأكياسٍ هوائيةٍ منتشرةٍ في كلِّ أماكنِ جسمِه، تخفِّفُ مِن وزنِه، وتبرِّدُ عضلاتِه الحارّةِ، بسببِ شدّةِ الخَفَقانِ، وجَعَلَ عظامَه مجوَّفةً، وجَعَلَ ريشَه خفيفاً، لِيُعِينَه على الطيرانِ، وأمدَّه بميزاتٍ يحتاجُها في طيرانِه.
وهو يتمتَّعُ بقوّةِ البصرِ، بل إنَّ قوةَ بصرِ بعضِ الطيورِ تزيدُ على قوةِ إبصارِ الإنسانِ ثمانيةَ أضعافٍ، وإنّ بعضَ أنواعِ الطيورِ يرى فريستَه على بُعْدِ ألفينِ مِن الأمتارِ، والعينُ عندَ الطائرِ أكبرُ حجماً مِن مُخِّهِ، وتستطيعُ أنْ ترى عينُه دائرةً تامّةً، أمّا الإنسان فيرى مئةً وثمانين درجةً، وحينما يديرُ وجْهَهُ ورأسَه تتّسعُ هذه الدرجاتِ، لكنَّ الطائرَ مزوَّدٌ بعينين جانبيتين، تمسَحَانِ الدائرةَ بأكملِها، دونَ أن يديرَ رأسَه وجسمَه.
فبعضُ أنواعِ الطيورِ يرى الجيفةَ على ارتفاعِ ألفيْ مترٍ، يراها واضحةً، وبعضُها يرى البيضةَ على الأشجارِ تحتَ الأوراقِ، وبعضُها الآخرُ يرى السمكةَ في الماءِ، وهو في أعالي الجوِّ فيهوي في الماء، وينقضُّ عليها ليأكلَها.
والطائرُ له سرعةٌ تزيدُ على مئةٍ وثلاثين كيلو متراً في الساعةِ، وبعضُ أنواعِ الطيورِ يقطعُ ستةَ آلافِ كيلو مترٍ دونَ توقُّفٍ، يطير ستّاً وثمانين ساعة بلا توقّفٍ، أيُّ طائرةٍ تقطعُ هذه المسافةَ، ستّاً وثمانين ساعة دون توقّف؟ ودونَ تزوُّدٍ بالوقودِ، أو بالطعامِ، أو بالشرابِ؟ :﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمان إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ [الملك: ١٩].