فإذا أوحَى اللهُ تعالى إلى النحلِ فلأنَّ هذه الحشرةَ تقدِّم للإنسانِ شيئاً ثميناً، بل إنَّ كلمةَ: (الشفاء) لم تَرِدْ في القرآنِ إلا في مَوْطِنَيْنِ؛ في موطِن العسل، وموطنِ القرآن، وكأنَّ العسلَ شفاءٌ للأجسامِ، والقرآنَ شفاءٌ للنفوس، أما قولهُ سبحانه: ﴿وأوحى رَبُّكَ إلى النحل﴾، فلم يقل: وأوحى اللهُ، مع أنَّ اسمَ (الله) عزَّ وجل عَلَمٌ على الذاتِ واجبةِ الوجودِ، ومع أنّ الأسماءَ الحُسنَى كلَّها منطويةٌ في لفظِ الجلالة، لكنّ اللهَ سبحانه وتعالى أرادَ أن يبلِّغ الإنسانَ أنَّ هذا الرّبَ الكريمَ الذي يرعاكَ ويمدُّكَ، هو الذي خَلَقَ النحلَ من أجلك، فالمقامُ هنا مقامُ التربيةِ والرعايةِ.
إنّ ربَّك هو الذي يُربِّيكَ، الذِي يُرَبِّي جسدَك، الذي يربِّي نفسَك، الذي أَوْجَدَكَ، الذي أَمَدَّكَ بالهواء، والماءِ، والطعامِ، والشرابِ، والمعادنِ، وبأشباهِ المعادنِ، وبكلِّ ما في الأرضِ مِن مخلوقاتٍ، هو نفسُه ربُّك الذي أوحى إلى النحلِ.
أمّا الشيءُ الذي يأخذ بالألبابِ فهو أنّ الأمرَ للنحلَ ورد في هذه الآية بصيغة التأنيث: ﴿وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي﴾ [النحل: ٦٨]، بينما جاء الخطابُ للنملِ مذكَّراً، قال عز وجل: ﴿حتى إِذَآ أَتَوْا على وَادِ النمل قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل: ١٨]، فلماذا جاء خطابُ النملِ مذكراً، وخطابُ النحلِ مؤنثاً؟ ذلك أنَّ النملَ جماعةٌ فيها الذكورُ والإناثُ، وإذا أردتَ أنْ تخاطِبَ في اللغةِ الذكورَ والإناثَ مجتمِعين فإنك تستخدمُ ضميرَ الذكورةِ، أمّا إذا كان الخطابُ موجَّهاً إلى الإناثِ فقط فتستخدمُ ضميرَ التأنيث، فجاء الخطابُ للنحلِ مؤنَّثاً لأنّ العاملاتِ وحدَهنَّ اللواتي يصنعن العسلَ، فهل كان هذا معروفاً مِن قبْلُ في عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟.
آياتٌ كثيرةٌ جداً بثَّها اللهُ في الكونِ والأرض، وما على الإنسانِ إلاّ أنْ يدقِّق فيها، ليكونَ إيمانُه بالله تحقيقياً من خلالِ هذه الآياتِ الباهرةِ، التي يعجزُ عن تصوُّرِها عقولُ أهلِ العقولِ.
العسل وفوائده