تفسير قوله تعالى: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون)
القرآن فيه الهداية وفيه النور، وفيه البشارة للمؤمنين، والمؤمنون هم الذين آمنوا وصدقوا، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأيقنوا بالآخرة، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٣]، وأما صفات المؤمنين في سورة البقرة فقد ذكر الله أن من أهم صفاتهم: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، يعني: يصدقون بما أخبر الله عز وجل به وهو لم ير هذا الشيء، ولم ير الله، ولم ير الجنة، ولم ير النار، ولكنه استيقن من ذلك وأيقن وصدق، فهم: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣]، فتلك آيات القرآن وكتاب مبين فيها الهداية وفيها البشارة للمؤمنين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [النمل: ٣]، إذاً: فهم مؤمنون، وهم يقيمون الصلاة، والفرق بين من يصلون وبين من يقيمون الصلاة: أن الذي يقيم الصلاة يعدلها ويحسنها، ويؤديها بخشوع وركوع وسجود وخضوع وتواضع لله رب العالمين وإكثار من ذكر الله، فهو يقيم صلاته، قال تعالى: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [النمل: ٣]، أي: يؤدون الزكاة كما أمر الله سبحانه وتعالى، ودائماً الزكاة تأتي بهذه اللفظة: (آتوا الزكاة)، فالإيتاء: إعطاء لا خصم فيه، ولذلك اتفق الفقهاء على عدم جواز الخصم في الزكاة، كأن يكون للرجل دينٌ على آخر فيعفو عنه ويخصم هذا الدين من الزكاة، أي: يعتبر ما خصمه زكاة، وهذا لا يجوز، وقد يصلح ذلك في الصدقة، أي: تتصدق على الإنسان بأنك تتنازل عن المال الذي تريده منه، أما الزكاة فلا يجوز ذلك؛ لأن الزكاة يقصد بها حصول الانتفاع للذي أعطيته، فيأخذها ويأكل بها، ويشرب بها، ويلبس بها.
إذاً: تعطي شيئاً ينتفع هذا الإنسان به، أما كونك تخصم من الذي عليك فهو لم ينتفع بشيء؛ لأن هذا الدين الذي على الإنسان إما أن يكون موجوداً وجب عليه أن يرده، وإما أن يكون معدوماً مفقوداً يسقط عنه في يوم من الأيام، فإذا كانت المحصلة أنه سيسقط فأنت لم تؤتِ زكاة في يوم من الأيام، إذاً: فالزكاة: إيتاؤها دون مقاصة أو خصم، قال الله تعالى: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٣]، انظر التوكيد هنا، وكان من الممكن أن يقول: وهم بالآخرة يوقنون، ولكن أكد أن من أهم صفات المؤمن أن يكون مصدقاً بالغيب، ومستيقناً بأمر هذا الغيب، وبأمر الآخرة غاية اليقين، فقوله تعالى: ﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٣]، أي: مستيقنون بأنهم راجعون إلى الله رب العالمين سبحانه.