تفسير قوله تعالى: (فالتقطه آل فرعون كانوا خاطئين)
قال سبحانه: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨].
لما وضعته في اليم سار به التابوت ولم ينقلب التابوت في النهر فالله عز وجل الذي حفظه برعايته سبحانه وبحفظه سبحانه، تابوت صغير فيه طفل صغير، ما المانع أن ينقلب التابوت الذي يطفو على الماء وهو شيء صغير؟! فالعادة الذي يثبت على الماء يكون كبيراً، أما لو وضعت قطعة من الخشب على الماء فإنك تجدها فجأة مقلوبة، فما هو الذي منع هذا التابوت من ذلك؟! إنه الله سبحانه وتعالى، ليريه أنه وحده الذي حفظه وحافظ عليه.
قال سبحانه: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص: ٨]، وليس فرعون نفسه، ولكن الجواري من آل فرعون وخادمات زوجة فرعون آسيا، فكن ينظرن إلى النهر فوجدن هذا التابوت فأخذنه، وكأن التابوت كان مغلقاً على موسى عليه الصلاة والسلام، فذهبن بالتابوت إلى زوجة فرعون.
قال الله سبحانه: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨]، لاحظ أنه لن يكون قلقاً، فاللام ليست لام التعليل ولكنها لام العاقبة، أي: لتكون العاقبة في يوم من الأيام أنه يكون لفرعون ولجنوده عدواً وحزناً، وكلمة (حزناً) بمعنى الحزن، وفي الآية قراءتان: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨]، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (ليكون لهم عدواً وحُزنا) أي: لتكون العاقبة في يوم من الأيام أن يُحزن موسى فرعون ويكون فرعون نادماً أن فعل به ذلك، فتكون العاقبة لهذا الجبار المتكبر أن يحزنه الله وأن يذله في يوم من الأيام.
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص: ٨]، وكأنه يقول هنا: لأن ﴿فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨]، وهناك فرق بين الخاطئ والمخطئ، فهم ما كانوا مخطئين حين أخذوه، ولكن (خاطئ) مأخوذ من الخطيئة، فهم أهل خطيئة، وأهل كبائر، فقد كفر فرعون ونصب نفسه إلهاً بل رباً بزعمه، وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]، فكان خاطئاً، ففرق بين أن نقول: فلان خاطئ، وفلان مخطئ، فلان مخطئ أي: جانب الصواب، ويريد أن يعمل عملاً صحيحاً فلم يوفق إليه، فهذا مخطئ.
ولكن فلان خاطئ أي: أتى بالخطيئة عمداً لأنه يريد أن يفعلها، ففرعون لم يكن مخطئاً وإنما كان صاحب خطيئة.
﴿وَهَامَانَ﴾ [القصص: ٨]، وهو وزير فرعون، ﴿وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨]، أي: أصحاب كبائر، وكانوا كفرة بالله سبحانه وتعالى، وكانوا يعبدون فرعون الذي كان يزعم لقومه أنه ابن الشمس وليس ابن البشر، ويزعم أنه إله فيعبدون الشمس من دون الله، ويعبدون فرعون من دون الله سبحانه، فكأن القوم قد ذهبت عقولهم، كما قال الله سبحانه: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ [الزخرف: ٥٤]، يعني: كانت عقولهم خفيفة لا تفقه ولا تفهم فعبدوه من دون الله وأطاعوه.