تفسير قوله تعالى: (ولما بلغ أشده واستوى)
كبر موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكبر في سنه وفي جسده وصار قوياً، وعبر الله عز وجل عن ذلك بقوله: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [القصص: ١٤] وهي نفس العبارة التي عبر بها سبحانه عن يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام، هذا كفله الله سبحانه وذاك رباه الله سبحانه وتعالى، فيوسف أيضاً لما بلغ أشده آتاه الله حكماً وعلماً، ففي سورة يوسف بلغ يوسف أشده، والأشد رشد الإنسان، أي: بلغ مبلغ الرجال ومبلغ الكمال، فهو لم يبلغ مبلغ الرشد لكنه صار رشيداً بالغاً عاقلاً فاهماً علمه الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لم يذكر: (واستوى)، فزاد لموسى (استوى) على ما ذكر في قصة يوسف: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٢٢] هنا ذكر ما يناسب السيرة.
قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [القصص: ١٤] في الآيتين ذكر أنه يجزي المحسنين، أي كذلك الجزاء الذي ترونه، وعبر باسم الإشارة للبعيد لبيان عظيم الجزاء، أنه من الله يناسب فضله ويناسب كرمه سبحانه.
فيوسف عليه الصلاة والسلام ذكر الله أنه بعد ما بلغ أشده آتاه سبحانه الحكم وآتاه العلم، قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: ٢٣] وهنا ناسب السياق، ولم يذكر أشده واستوى، لكن هنا ذكر: ((وَاسْتَوَى)) والاستواء بمعنى: القوة، فالقوة هنا مناسبة لما سيذكر من وكز موسى لقبطي وقضائه عليه، فكان موسى قوياً جداً، إذاً: الاستواء: القوة البدنية.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه: أن استوى، أي: بلغ أربعين سنة، وهذا قد يكون صحيحاً، ولكن المعنى الذي يناسب أن الاستواء هو القوة، قال تعالى: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩] فالزرع يخلقه الله سبحانه وتعالى فيكبر ويشتد ويستوي في النهاية، كأن موسى بلغ مبلغ الكمال سواء في بدنه أو في سنه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فآتاه الله الحكم والحكمة، وآتاه من لدنه حكمته، وآتاه علماً سبحانه وتعالى قبل النبوة وعلماً آخر بعد النبوة، فموسى عليه الصلاة والسلام من بني إسرائيل من أولاد يعقوب النبي فهو من أحفاده عليه الصلاة والسلام، فعلى ذلك فإن موسى عنده العلم الذي ورثه من آبائه، وهو علم يعقوب وعلم إسحاق وعلم يوسف عليهم الصلاة والسلام.
فالله عز وجل آتاه هذا العلم بإلهام منه سبحانه، وبالتعلم ممن معه، ثم بعد ذلك من عليه بالنبوة وآتاه علم النبوة وأنزل عليه التوراة، فكان موسى على علم من الله وعلى حكمة، فكان حكيماً عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)) أي: بما جزينا به موسى وغيره عليهم الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon