تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ [الحج: ٣].
أخبرنا الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ [الحج: ٣] أي: من الناس من يجادل في أمر الله سبحانه، وفي أمر دين رب العالمين، وفي أمر خلق الله سبحانه وتعالى؛ كـ النضر بن الحارث الذي أنكر أن يحيي الله عز وجل الموتى بعد أن يصيروا تراباً وعظاماً، فربنا يخبر عن هذا وأمثاله، أنهم يجادلون بغير علم، ولو أنهم تعلموا لعرفوا الحق في ذلك، ولو أنهم نظروا في هذا الكون واطلعوا على كتب الله سبحانه لوجدوا الموافقة بين الكون وهو كتاب الله الذي ينظر الإنسان إليه في كل يوم في آياته، وبين ما نزل من عند الله من السماء وهو كتاب الله القرآن العظيم الذي إذا قرأه وتأمل الواقع عرف الحق وتعلم ما يكون من أمر ربه سبحانه، ولكن العجيب ممن يجادل بجهل ويتكلم بغير علم ويرد كلام النبي صلوات الله وسلامه عليه، فيعجبنا الله عز وجل من أمثال هؤلاء الذين يجادلون بغير علم.
فالذي ينبغي على الإنسان المؤمن ألا يعرض نفسه أبداً لأمر الجدل، إلا في الدفاع عن دين الله سبحانه إن احتاج إلى ذلك، وإذا جادل لا يجادل إلا بعلم، يقول الله عز وجل: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] أي: إذا جادلت إنساناً لتدعوه إلى الحق فينبغي أن تتعلم ما هو الحق قبل أن تجادل، ولذلك قالوا: إن الإنسان الذي لا يتعلم ويتكلم بغير علم، يرى هذا الإنسان في لغط مضل أو غلط مذل، فهذا الإنسان الجاهل حين يجادل إما أنه كثير اللغط الذي يؤدي به إلى الضلال، أو أنه يظن نفسه عالماً فيتكلم في أشياء لا يفهمها ولا يعرفها أمام من يعلم، فيذلونه بجهله ويقولون له: إنك جاهل ولست بفاهم، ما هذا الذي تقوله؟! إذاً: على الإنسان المؤمن أن يتعلم العلم الشرعي قبل أن يتكلم في دين الله سبحانه وتعالى، ولا يكون كأمثال هؤلاء الجهلة بأمر ربهم سبحانه وتعالى، فكفروا وأشركوا وجادلوا بالباطل.
وهذا الذي يجادل بالباطل يأخذ الشيطان بناصيته يوم القيامة إلى نار جهنم والعياذ بالله، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [الحج: ٤] أي: الله عز وجل كتب وقدر أنه من يتولى الشيطان من دون الله سبحانه فإن الشيطان يضله، وهنا الذي يهدي والذي يضل هو الله سبحانه وتعالى، ولكن أسباب الهداية وأسباب الضلالة يجعلها الله عز وجل على يد من يشاء سبحانه، فالشيطان خلقه الله عز وجل بصفاته، وقد علم أنه يضل عباده ويبعدهم عن أمر دينه، ويدفعهم إلى المعصية، ويسول لهم الشبهات ويزين لهم الشهوات، ويصرفهم إلى المنكرات، فهذه أسباب.
فالله عز وجل يقدر فهو يهدي ويضل بتقديره سبحانه وتعالى، والشيطان يضل العباد ويبعدهم عن طاعة الله كسبب من الأسباب، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢] قوله: ((ولو شاء)) أي: هذا قضاء الله سبحانه وتعالى، فهو إذا قضى بالهداية لا يمكن أن يكون العكس، وإذا قضى بالضلالة لن يكون العكس، وورد في الحديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) فهذا ينقلب ويعمل بعمل أهل النار، وذاك ينقلب فيعمل بعمل أهل الجنة كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالشيطان يضل الإنسان الذي يطيعه والذي يعصي الله سبحانه، ويأخذ به إلى طريق عذاب السعير والعياذ بالله.


الصفحة التالية
Icon