معنى الحروف المقطعة في أوائل السور
بدأ الله سبحانه هذه السورة بـ: ﴿الم﴾ [العنكبوت: ١]، وهذه الحروف هي التي تسمى بفواتح السور، وهي من الإعجاز في القرآن الكريم، وكأن الله يقول للعرب: إن هذا القرآن من جنس الحروف التي تنطقونها وتتكلمون بها، وقد جئناكم بهذا القرآن بلغتكم ومن حروفكم، فائتوا بسورة من مثل هذا القرآن.
وقد ذكرنا قبل ذلك فقلنا: إن بعض أهل العد الذين يعدون حروف القرآن أو حروف السور يقولون: إنه إذا ابتدأت سورة بحروف مقطعة فغالباً ما تكون هذه الحروف أكثر الحروف المكررة في هذه السور، وغالباً ما يكون ترتيبها في التكرار أو في العدد: الحرف الأول أكثر ما يكون، ثم الثاني، ثم الثالث، وهكذا، وقد توجد حروف أخرى أكثر منها، ولكن الغالب ذلك، وستجد أن أكثر ما يعد في هذه السورة: حرف الألف، سواء ألفاً بهمزة، مفتوحة أو مكسورة، أو ألفاً من غير همزة، أو بهمزة مد، أو بهمزة على نبرة تكون ياء أو واواً، فيكون عدد الألف في هذه السورة تقريباً ثمانمائة وثمانية وخمسين مرة، ثم يليه اللام، فقد تكرر في هذه السورة تقريباً خمسمائة وخمسين مرة، ثم يليه حرف الميم، فقد تكرر في هذه السورة حوالي ثلاثمائة وواحداً وأربعين مرة، وكأن الترتيب في هذه السورة ترتيب تنازلي، الألف ثم اللام ثم الميم، وكأن الإشارة إلى أن هذه الحروف من جنس ما تتكلمون بها على هذا الترتيب، فائتوا بمثل ما جئناكم به.
والحروف هذه كما ذكرنا قبل ذلك أنها سر من أسرار القرآن، أي: مهما قال المفسرون فيها باجتهاداتهم فإن حقيقة علمها عند الله تبارك وتعالى، فهم يطلعون على بعض الأشياء منها، فلماذا هذه السورة بدأت بـ ﴿الم﴾ [العنكبوت: ١]؟ ولماذا هذه بـ ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١]؟ ولماذا هذه بـ (حم) ﴿عسق﴾ [الشورى: ٢]؟ ولماذا هذه بـ (طسم)؟ الله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك، ولكن كل ما يقوله المفسرون في ذلك ما هو إلا شيء من عند أنفسهم، ليس توقيفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو فهم يؤتيه الله عز وجل من يشاء، ولذلك ستجد من يقول: إن هذه الحروف فيها تعجيز للناس، وسيقول: ما ذكرت أبداً هذه الحروف إلا ويليها الإشارة إلى هذا القرآن العظيم، ومن ذلك قوله عز وجل: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ١ - ٢].
﴿الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [آل عمران: ١ - ٣].
فهنا يذكر الحروف ويذكر بعدها الإشارة إلى القرآن، إلا في ثلاث سور من القرآن لم يذكر بعدها الكتاب مباشرة، وإنما ذكر ذلك في ثنايا السورة، منها هذه السورة التي معنا، فذكر الإشارة إلى القرآن بعد آيات من أول السورة، وليس في أول السورة عقب: ((الم)).
وكذلك نفس الأمر في سورة الروم ومريم.
ففي هذه السورة الكريمة ذكر العلماء أن الله سبحانه تبارك وتعالى افتتحها بـ ﴿الم﴾ [العنكبوت: ١] تعجيزاً للكفار كما ذكرنا، وقيل: إن ﴿الم﴾ [العنكبوت: ١] اسم للسورة أو اسم للقرآن، أو أنها حروف من أسماء الله عز وجل بدأ بها هذه السور، والله أعلم بذلك.


الصفحة التالية
Icon