دعوة إبراهيم عليه السلام لقومه
إبراهيم بالسريانية معناها: أب رحيم، وهو اسم على مسمى، فهو أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وهو من أرحم الناس بخلق الله سبحانه، وقد رأينا كيف جادل الملائكة في قوم لوط لما أرادوا إهلاك قوم لوط فقال الملائكة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٢].
دعا قومه وهم عباد الأصنام والأوثان فقال لهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾ [العنكبوت: ١٦]، توجهوا إلى الله سبحانه وتعالى بالعبادة الخالصة ولا تشركوا بالله سبحانه، (وَاتَّقُوهُ)، أي: اتقوا غضب الله سبحانه فاجعلوا بينكم وبين عقوبته وقاية من الطاعة، فإن طاعة الله تقيكم وتنجيكم من عذاب الله وتدفع عنكم نار جهنم، فاجعلوا هذه وقاية لكم من عذابه سبحانه.
﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٦]، أي: أن تلك العبادة العظيمة وهذا التوحيد العظيم يقيكم من عذاب الله، وهو خير لكم بل وهو الأفضل لكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٦]، إن كنتم تعلمون ذلك عبدتم الله سبحانه وأطعتموني.
ثم أخبرهم عن عبادتهم الباطلة ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت: ١٧] إن عبادتكم هذه التي تعبدونها مقصورة على هذه الأوثان الباطلة، فهي عبادة باطلة ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧]، أي: كل ما تعبدون من دون الله هو باطل وكل عبادة لما هو دون الله سبحانه فهي عبادة باطلة.
﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت: ١٧]، أي: أصناماً تعبدونها من دون الله سبحانه، قالوا: الأوثان هي الأصنام، وفرق البعض بين الأصنام والأوثان، فالأوثان ما يعبد من دون الله سبحانه من حجر منحوت أما الأصنام فتكون مصنوعة من ذهب أو فضة أو نحاس ونحوها من معادن، وقيل: الأصنام ما كان مصوراً على هيئة والأوثان ما كان مصوراً أو غير مصور.
قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧]، والخلق: الصنعة، أي: الذي تصنعونه بأيديكم كذباً على الله سبحانه وتعالى هو إفك وباطل وكذب تكذبونه فتدعون أنها آلهة وأنتم إنما نحتموها بأيديكم.
﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧] أي: تصنعون ﴿إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧]، كذباً ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ [العنكبوت: ١٧]، ومن الملاحظ هنا أنه تحدث بشيء من التفصيل في قصة إبراهيم؛ لأن النبي ﷺ بعث إلى هؤلاء العرب الذين شابهوا قوم إبراهيم في عبادة الأصنام ففصل لذلك، والسورة منها ما هو مكي ومنها ما هو مدني، فكأنه يشير لهؤلاء الكفار أنكم فعلتم فعل قوم إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكان الأجدر بكم أن تصنعوا كما صنع إبراهيم أبو الأنبياء وهو أبوكم عليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon