تفسير قوله تعالى: (أولم يتفكروا في أنفسهم)
لأن الكفار يعطلون جوارحهم وأفئدتهم فقد أنكر الله عليهم غفلتهم فقال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الروم: ٨] فالاستفهام في الآية: للإنكار، وهو دعوة أن يتفكر المرء في نفسه.
فقوله: (في أنفسهم) كلمة (في) تفيد الظرفية وليست مفعولاً به، ليكون المعنى: أن يتفكر الإنسان في نفسه وتظل النفس عنده محل التفكر ليعتبر بها! لا، بل تعني الظرفية أن يتفكر بينه وبين نفسه في صمت، فيعمل عقله منفرداً ويتفكر في السماوات وفي الأرض؛ لأنه حين يتفكر مع مجموعة من الكفار قد يقوم إليه بعضهم فيدعوه إلى الكفر وإلى البعد عن الله سبحانه، فيستحيي أن يقر أن هناك إلهاً موجوداً؛ لأن الباقين يقولون بخلاف ذلك، أما إذا فكر في نفسه فلن يضحك على نفسه، أو يكذب عليها.
وفيها يخاطب الله عز وجل العبد: أن تفكر في نفسك، وهو عندما يدعو الناس إلى التفكر لا يريد أن يتفكروا مجموعات بل إن الله سبحانه تبارك وتعالى يأمر أن يتفكر المرء وحده أو مثنى أو ثلاث، فوحده مع نفسه، ومثنى أي: مع إنسان آخر؛ وذلك لأن العادة أن التفكير الجماعي يغلب فيه المجتمعون بعضهم بعضاً بعلو الصوت، وفيه قد يستحيي بعضهم من بعض فلا يتكلم معه، بخلاف التفكر الفردي أو الثنائي فإن المرء إذا كان وحده فسيمحص الفكرة ويعيد جريانها في ذهنه إلى أن يصل التفكير إلى أقصاه، فيثمر غايته، وكذلك إذا كان التفكير مع شخص آخر يعمل فكرة أيضاً، فإذا اختمرت الفكرة في ذهنه فله أن يشاور بعد ذلك مجموعات من الناس، فتكون المشاورة مع مجموعة من الناس والتفكير فرادى ومثاني، ويكون أمر الله سبحانه تبارك وتعالى بالتفكير متحققاً على هذه الصورة، وإنما جعل فرادى ومثاني لأن التفكير يحتاج من الإنسان أن يغوص في المعنى، وينفرد بنفسه حتى يتفكر فيما وراء الظواهر الحسية القريبة.