تفسير قوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الروم: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٧ - ١٨].
في هذه الآيات يأمر الله سبحانه تبارك وتعالى عباده بأن يسبحوه سبحانه وتعالى، والتسبيح قد يأتي بمعنى: التقديس والتنزيه لرب العالمين سبحانه، تقول: سبحت الله عز وجل أي: نزهته سبحانه أن يشبهه أحد من خلقه، فهو منزه مقدس متعالٍ سبحانه، تعالى عن الأشباه والأضداد والأمثال سبحانه تبارك وتعالى.
والتسبيح أيضاً قد يأتي بمعنى الصلاة، ومنه قوله: صلاة السبحة بمعنى: صلاة التطوع وصلاة النافلة، وكأن في الآية إشارة إلى التسبيح الذي هو في الصلاة، حيث إن في الآية إشارة إلى مواقيت الصلوات الخمس في قوله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٧ - ١٨].
ولذلك جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصلوات الخمس في القرآن.
يعني: أنه قد ورد ذكر الصلوات الخمس في القرآن.
فقيل له: أين؟ فقال: في هذه الآية: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٧ - ١٨].
فذكر الله الصلوات وأشار إلى التسبيح، أي: سبحوا الله تسبيحاً واجباً في هذه الصلوات الخمس، وكلمة (سبحان) مصدر، والمصدر يغني ويُعبَّر به عن جملة كاملة، فالأصل سبحوا الله تسبيحاً، و (سبحان) تساوي تسبيحاً وهو مصدر يغني عن الجملة، فكأنه قال: سبحوا الله تسبيحاً في هذه الأوقات، وهي الأوقات التي قال عنها: ((حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ)).
ذكرت الآيتان أربعة مواقيت تدل على الخمس الصلوات، فقوله: (حين تمسون) أي: وقت المساء، ووقت المساء فيه صلاة المغرب وصلاة العشاء.
وقوله تعالى: (حين تصبحون) يعني: حين تدخلون في وقت الصباح.
وقوله تعالى: (وعشياً) أي: وقت العشي وهذا الوقت يطلق على الوقت الذي هو من بعد الزوال إلى قبل غروب الشمس، وفيه صلاتا الظهر والعصر، ولكنه نص على الظهر هنا فكأنه قصد بالعشي العصر فقط، وبدأ بالليل لأن الليل يبدأ قبل النهار فذكر أولاً صلوات الليل، وإن كان في سورة الإسراء قال: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨]، فنص على الصلوات هنا فقال: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]، والدلوك: هو الزوال، وهو وقت الصلاة الأولى وهي صلاة الظهر، وتسمى صلاة الظهر: الصلاة الأولى؛ لأنها أول ما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه بعد قصة الإسراء والمعراج نزل النبي ﷺ فأول ما صلى من الصلوات صلاة الظهر، ولذلك سميت الصلاة الأولى، وإن كانت أول صلاة في اليوم هي صلاة الفجر، ولكن أول صلاة صلاها النبي ﷺ بعد المعراج كانت صلاة الظهر فسميت بالصلاة الأولى.
ففي سورة الإسراء قال الله سبحانه آمراً النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨].
أي: أقم هذه الصلاة التي أمرك الله عز وجل بها وهي صلاة الظهر، قوله: (إلى غسق الليل) أي: وصل العشاء والمغرب، وكذلك أمر بصلاة الصبح، إذ قال: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨]، كأنه يمدح قرآن الفجر أو يخصه بالفضل، يعني: قرآن صلاة الفجر: ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] يعني: صلاة الفجر كانت مشهودة.
إذاً: هنا نص ربنا سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآية على تسبيحه، وهو إشارة إلى التسبيح الواجب في الصلاة، ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] أي: حين تدخلون في المساء في صلاتي المغرب والعشاء، ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] أي: حين تدخلون في وقت الصبح.