معنى قوله تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة)
ثم ذكر سبحانه ما امتن به على عباده من جعل المودة والرحمة بين الزوجين فقال: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: ٢١] أي: مودة بين الرجل وبين المرأة، وكذلك مودة بين الأسرتين: أسرة الرجل وأسرة المرأة، وجعل بينكم كذلك الرحمة، فأنتم تتراحمون بسبب هذه العلاقة الزوجية، وشرع في ذلك الزواج العشرة، إذ من وراء شهوة الإنسان يكون الولد فتزداد المودة وتزداد الرحمة بين الرجل وبين امرأته، وبين أسرتيهما، فالسكن والطمأنينة التي يعيش فيها الإنسان آية من آيات الله سبحانه، إذ يصاحب الإنسان القلق فترة بقائه بلا زواج حتى يتزوج، فإذا تزوج سكن، ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج العبد فقد استكمل شطر الدين، فليتق الله في الشطر الباقي) أو (فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي)، وفيه أن الزواج يوصل الإنسان إلى نصف الدين، وكأن النبي يخاطب من تزوج فيقول: معك نصف الدين بهذا الزواج، فاتق الله في النصف الآخر، وعندما يتزوج الرجل يجد من تطيعه حين يأمرها بطاعة الله، وتنصحه بطاعة الله أيضاً فيطيع، وبذلك يعين الزواج على طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى، ويسكن ثورة نفس الإنسان وغليان شهوته؛ لأنه يجد من يأتيها في الحلال، ويفعل معها شهوته بما أحل الله عز وجل له، فيخمد في الإنسان نار الشهوة، فلا ينظر إلى ما حرم الله سبحانه تبارك وتعالى، وينتهي وينزجر عن معاصي الله سبحانه، فلا يقع في الزنا، ولا يقع في النظر المحرم، وإنما يستكمل العبد نصف دين الله سبحانه تبارك وتعالى بالزواج؛ لأنه يبتعد عن الحرام بها، ويستغني بما أعطاه الله عز وجل وما وهبه ممن يعينه على طاعة الله سبحانه، كما أن الإنسان حين يسكن يتفكر في خلق الله عز وجل ويفكر في أمره وفي مستقبله وفي حياته وفي مماته، بل حين يهدأ يصبح إنساناً آخر غير الذي كان عليه قبل أن يتزوج.
ومما ينبت المودة والرحمة في قلب الإنسان الولد، فإنه حين يتزوج ويرزق الولد يحدث في قلبه نوع من أنواع الرحمة والشفقة لم تكن موجودة قبل ذلك، فإذا به يكون رءوفاً، رحيماً، ودوداً مع الناس، إذ حين يصبح عنده الولد وعرف كيف يربيه فسيعرف كيف يربي أولاد غيره، وينظر إليهم بنظرة الشفقة التي ينظر بها إلى أولاده.
وقد جعل الله سبحانه تبارك وتعالى من وراء النكاح قضاء وطر الإنسان وشهوته، وتسكين الإنسان وإبعاده عن النفور والمعصية لله سبحانه تبارك وتعالى، كما أن وجود الولد يصير في قلب الإنسان الرحمة والعطف بسببه، ولما جعل الله النكاح سكناً للإنسان ومودة ورحمة، حذر من تضييع ذلك، فنهى عن الزنا، قال سبحانه: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٢]، كما حرم على العباد أن يأتي الذكر الذكر أو الأنثى الأنثى، وجعل الحدود في ذلك حتى يستقيم الإنسان على طاعة رب العالمين سبحانه، وأنكر لوط عليه الصلاة والسلام على قومه فقال: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: ١٦٦] أي: لقد تعديتم طاعة الله سبحانه والحلال الذي أحله الله ووقعتم في معصية الله بالوقوع فيما أنتم فيه، وقوله: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ﴾ [الشعراء: ١٦٦] يبين أن الله خلق المرأة للرجل والرجل للمرأة، وليس الرجل للرجل ولا المرأة للمرأة.