طاعة المرأة لزوجها سبب لبقاء المودة
ولكي تدوم المودة بين الزوجين وتستمر العشرة، فقد حدد لها قائداً، وأوجب له الطاعة، ورتب على طاعته الأجر الكبير، فقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأحسنت تبعلها لزوجها؛ قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ)، فرتب دخول المرأة الجنة بطاعتها لربها، وبطاعتها لنبيها صلى الله عليه وسلم، وبطاعتها لزوجها في غير معصية، كما حذرها النبي ﷺ عن أن تبتعد عن زوجها، أو تنفر منه أو تعصيه إذا أراد قضاء شهوته منها، فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: (والذي نفسي بيده! ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)، فبين أن الله يغضب لغضب الزوج على زوجته إذا دعاها إلى فراشه فأبت عليه ذلك؛ وذلك لأن الرجل إذا لم يجد السكن في بيته فقد يخرج إلى خارج بيته فينظر إلى ما حرم الله، فيضيع نفسه ويهلك، ويكون السبب في هلاكه هو امرأته، فاستحقت الغضب من الله على ذلك، وليس ذلك فحسب، بل الملائكة تلعن من هجرت فراش زوجها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح)، فإذا غاضبت المرأة زوجها وتركت الفراش وانصرفت عنه فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح أو ترجع وتصالح زوجها.
فليس من البساطة أن تهجر المرأة زوجها، والرجل يهجر بيته، ولكن الأمر أكبر من ذلك، إن الله عز وجل جعل بينكم مودة ورحمة، وأمركم أن تحافظوا على مودتكم، وعلى الرحمة التي جعلها بينكم.
وفي قوله: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم: ٢١] أن الله جعلها سكناً للإنسان، وأباح له أن يأتيها ويجامعها في الوقت الذي أحله سبحانه وليس في الوقت الذي حرمه الله، فإذا كانت المرأة حائضاً أو نفساء، لم يحل للرجل أن يجامعها؛ لأنه إن فعل كان ذلك سبباً للنفور بينهما، وللأذى الذي يجعله الله عز وجل بسبب ذلك، قال سبحانه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، فأمر الإنسان أن يعتزل امرأته ويجتنب جماعها إذا حاضت، ولم يأمره أن يجتنب فراشها، وكان اليهود يجتنبون المرأة في وقت الحيض، فلا يساكنونها في بيت واحد، بل يهجرون البيت كله، ولا يؤاكلونها، بل لا يتركونها تصنع لهم الطعام، ولما أنزل الله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، حدد اعتزال النساء وجعله في المحيض أي: في موضع الحيض وموضع الجماع، وفي قوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، جعل أجل تلك العزلة طهارة المرأة، فإذا طهرت المرأة من المحيض، فلا يأتيها الإنسان حتى تغتسل لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] أي: إذا اغتسلت المرأة جاز له أن يأتيها.
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١] إرشاد بأن الإنسان الذي يتفكر هو من يعقل هذه الآية من آيات الله سبحانه، وهو الذي يدرك أن سبب خلق الله الأنثى للذكر هو حاجة الذكر لذلك، وحاجة الأنثى لذلك، وحاجة المجتمع والأرض لذلك؛ إذ لابد من الزواج حتى يتناسل الخلق ويعمروا هذه الأرض ويعبدوا الله سبحانه تبارك وتعالى، كما أنه إن لم يكن الزواج، كأن لا توجد أنثى للذكر فسيكون الخلق جيلاً واحداً ثم يفنى هذا الجيل ويموت، ولن يكون هناك أجيال بعد ذلك، ولكن الله جعل ذلك لتواصل الأجيال، ووجود النسل الذين يعبدون الله سبحانه تبارك وتعالى.


الصفحة التالية
Icon