تفسير قوله تعالى: (ومن كفر فلا يحزنك كفره)
يقول الله عز وجل لنبيه صلوات الله وسلامه عليه في شأن الكفار ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا﴾ [لقمان: ٢٣] ولا بد أن يحزن النبي ﷺ على هؤلاء الذين لا يؤمنون، وفرق بين حزن وحزن، فقد حزن النبي ﷺ على هؤلاء حزناً يكاد يصل بالنبي ﷺ إلى أن يهلك نفسه من شدة أسفه وحزنه عليهم، وهذا هو الذي نهاه الله عز وجل عنه، أما أن يحزن على كفر هؤلاء ويرجو من الله عز وجل أن يهديهم إلى دين الله سبحانه فلا بأس، وقد أبوا وأصروا على ما هم فيه من كفر، فحزن ﷺ لأن قلبه ملئ بالرحمة، قال الله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] ولم يقل: للمسلمين، فقد كان رحمة للخلق جميعهم، فهو يتمنى الإيمان لجميع الخلق حتى ينجوا من النار، والحزن له مقدار معين، وإذا زاد عن هذا المقدار ربما أهلك صاحبه، قال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦] (لعلك باخع نفسك) أي: مهلك نفسك (ألا يكونوا مؤمنين) أي: ليس المطلوب منك أن يشتد حزنك عليهم حتى تموت حزناً عليهم، فهم لا يستحقون ذلك، ووظيفتك ليست إدخال هؤلاء وتحويلهم عن دينهم، ولكن وظيفتك أن تبلغ ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ [المائدة: ٩٩] فاهتم بوظيفتك وهي تبليغ رسالة الله سبحانه وتعالى، ولا يشتد بك الحزن فيمنعك عن الدعوة إلى الله سبحانه.
فمن كفر من هؤلاء فلا يحزنك كفره، ولا تكن في ضيق مما يمكرون فالله معك: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨] فالله بنصره وبقوته يؤيد المؤمنين، فهو مع المتقين ومع المحسنين، وهو معك يا رسول الله! وقراءة الجمهور: (فلا يحزنك كفره) وقرأها نافع: (فلا يُحزنك كفره) من أحزن الرباعي والثانية من الثلاثي (حزن).
(إلينا مرجعهم) أي: سيرجعون إلينا لنحاسبهم ونعاقبهم على ما فعلوا ﴿فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [لقمان: ٢٣] لقد كذبوا على رسول الله ﷺ في الدنيا وكذبوا على الناس ولكن إذا جاءوا إلى ربهم يوم القيامة يوم الفزع الأكبر لن يقدروا على الكذب؛ فإن الله سيفضحهم بما كانوا يفعلون، فإن الله عليم بما أخفته نفوسهم وبما دار في صدورهم.


الصفحة التالية
Icon