تفسير قوله تعالى: (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين)
قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨] أي: ذريته.
﴿مِنْ سُلالَةٍ﴾ [السجدة: ٨] إذاً آدم خلق من طين، ونسل آدم من سلالة، من ماذا هذه السلالة؟ قال: ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨].
والسلالة هو الشيء الذي يسل من الشيء، وسل الشيء من شيء أي أخرج منه، ودائماً تطلق على الشيء الذي يكون مائعاً وليس بجامد فإذا وضعت في يدك ماء انسل من بين أصابعك، فكذلك خلق الإنسان فقد خرج من المني الذي يخرج منساباً من ظهر الإنسان بأمر الله سبحانه وقدرته، فيطلق على الشيء الذي يخرج خروجاً رقيقاً من شيء آخر سلالة.
فيقول العلماء: إن السلالة هي التي سل منها الأشياء، فالإنسان مخلوق من تربة الأرض، آدم مخلوق من طين، وذرية آدم فيهم من هذا الطين، وكل إنسان مخلوق من تربة معينة فإذا مات الإنسان رجع إلى التربة التي خلق منها، فالله عز وجل خلق الإنسان من تربة من الأرض في البلد الفلانية، فإذا جاءت وفاة هذا الإنسان لابد وأن يموت في هذا المكان الذي كانت منه أصل تربته كما ذكر النبي ﷺ في الحديث، فكأن كل إنسان مأخوذ من تربة معينة من الأرض ومن مكان معين، فمن الناس من هو صعب ومنهم من هو سهل بحسب ما أخذ من تراب هذا الإنسان، من جبل صعب، من مكان وعر، من مكان سهل، فيكون خلق الإنسان على ما خلق منه من تراب هذه الأرض فمنهم السهل ومنهم الصعب، ومنهم الطيب ومنهم الرديء، ومنهم الحلو ومنهم الخبيث، بحسب ما أخذ من تراب الأرض التي خلق منها، فكأن السلالة بمعنى التراب الذي خلق منه يسل من كل مكان وبمعنى المني؛ لأنه ينسل من الإنسان ويخرج منه خروجاً رقيقاً وقالوا: السلالة ما سل من صلب الرجل ومن ترائب المرأة، يعني من مني الرجل ومن بويضة المرأة، خرج هذا فانسل من هنا وهذا من هنا فالتقيا فكان الإنسان كما يسل الشيء من شيء آخر.
كذلك يطلق على الإنسان أنه سليل، بمعنى مسلول فيقال: للإنسان هذا سليل كذا يعني من نسل كذا، ومعنى السليل؛ أنه خلق من سلالة وهو الماء الذي يسيل والمقصود منه المني، فقد أوجد الله سبحانه وتعالى هذا الخلق ودبر أمر نسله.
﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨] يعني: من المني الذي يعتبره الإنسان شيئاً حقيراً لا يهتم له، فإذا خرج منه وأصاب ثوبه لزمه أن يغتسل من المني ويغسل ثوبه منه لأنه يستقذره، فأصل خلقة الإنسان هو ما يستقذره من نفسه وهو المني.


الصفحة التالية
Icon