تفسير قوله تعالى: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه)
قال الله: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: ٩] أي: الله سبحانه وتعالى ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة: ٩] فالله الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.
والخالق يقدر الشيء لأنه المقدر، والإنسان حين يتكلم عن صنع شيء بين البشر يقول: المبنى الفلاني اعمل فيه كذا واعمل كذا واعمل كذا، هذا الخلق بمعنى التقدير.
ثم البرء الإيجاد، ثم إعطاء الصورة لهذا الشيء ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى فهو الخالق البارئ المصور سبحانه.
والخالق هو الذي يقدر الشيء فيكون على ما قدره سبحانه، ومستحيل أن يتخلف عما قدره الله، الإنسان هذا طويل وهذا قصير، هذا أبيض وهذا أسود وهذا أحمر، هذا فيه كذا وهذا فيه كذا يقدر الشيء فيقول: كن فيكون على ما قدره الله سبحانه، فهو الخالق.
البارئ الذي أوجد الشيء من عدم.
المصور الذي أعطى للمخلوق الصورة التي هو عليها، هذا صورته كذا وهذا صورته كذا، فإذا جاءت كلمة الخالق وحدها فإنها تعني هذه المعاني كلها، فإذا جمعت هذه الأسماء له سبحانه الخالق البارئ المصور ففيها المعاني التي ذكرنا خلق، قدر، برأ، أوجد من عدم، صور، أعطى الصورة للمخلوق فجعله على هيئته التي أراد الله سبحانه وتعالى.
جعل الإنسان سوياً يمشي على قدميه، منتصباً في قامته، مستوياً في خلقته، جميلاً، فالله هو الذي سواك فعدلك سبحانه.
﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة: ٩] نفخ في آدم من روحه سبحانه، ونفخ في بني آدم من روحه، فكل إنسان يوجده الله سبحانه يخلق في بطن أمه فيمكث نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يحوله الله سبحانه وتعالى إلى عظام وإلى لحم على هذه العظام، ويرسل الملك فيأمره بنفخ الروح في هذا المخلوق.
فشرف الله عز وجل الإنسان بأن نفخ فيه من روحه، ونسب الروح إليه سبحانه وتعالى، وكل شيء ينسب خلقه إلى الله سبحانه، فهذه سماؤه سبحانه، وهذه أرضه، وهذا مسجده، وهذا بيته، وهذا يختص بالله سبحانه وتعالى وهذا عبده أي: أنه عبد لله سبحانه وتعالى.
إذاً المقصد أن كل شيء خلقه الله فهو مختص بربه سبحانه وتعالى، فينسب إلى ربه سبحانه، وسماء الله يعني السماء التي أوجدها الله وخلقها الله، وأرض الله يعني: الأرض التي أوجدها الله وجعلها للبشر يعمرونها ويعيشون فوقها وينتفعون بما فيها، ونسبت إلى الله سبحانه لأنه هو الذي خلقها، وهو الذي أوجدها، فهذا خلق عظيم أوجده الله سبحانه فشرفه بنسبته إليه سبحانه.
كذلك روح الله سبحانه معناه: روح أوجدها الله وخلقها الله وجعلها سراً من أسراره لا يطلع عليها أحد أبداً، ولذلك قال في سورة الإسراء: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥] أي: مستحيل أن تصل إلى معرفة ما هي الروح؟ فالروح من الله سبحانه خلقة، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن أوجدها وجعلها حيث شاء، فهذا آدم وهذه ذريته فيهم من روح الله أي من الروح التي أوجدها وخلقها سبحانه وشرفها بهذه النسبة روح الله سبحانه وتعالى.
والمسيح ابن مريم من ذرية آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، نفخ الله عز وجل فيه من روحه سبحانه، فليست له مزية على غيره في أمر الروح، آدم نفخ فيه من روح الله، والبشر نفخ فيهم من روحه سبحانه، والمسيح نفخ فيه من روحه، فليس في هذا حجة للنصارى الذين قالوا: عندكم في كتابكم أن المسيح هو روح الله، فإن في كتابنا أن آدم نفخ فيه من روح الله، وأن البشر نفخ الله عز وجل فيهم من روحه، وليس المسيح وحده، فليس لهم حجة في قولهم: المسيح هو الله حيث نفخ فيه من روحه، وهو كلمته، فهو ابن الله، وهو من الله عز وجل إذاً هو ثالث ثلاثة، وهو خالق وليس مخلوقاً! فنقول لهم: في القرآن ذكر الله عز وجل أن آدم نفخ الله فيه من روحه، وذكر البشر أنه نفخ فيهم من روحه، وذكر المسيح أنه نفخ فيه من روحه فلا مزية لأحد على أحد فكلهم فيهم من روح الله سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon