تفسير قوله تعالى: (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ [السجدة: ١٠].
في هذه الآية يخبرنا الله سبحانه وتعالى عمن أنكروا البعث من الكفار والمشركين، الذين قالوا: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤] أي: لا نعيش إلا في هذه الحياة الدنيا، ولدنا هكذا ونموت هكذا، ولا بعث ولا نشور، ولا قيام من القبور، ولكن كما خلقنا نرجع إلى الأرض مرة ثانية، وينتهي الأمر على ذلك.
لذلك اغتروا بهذا الذي يقولونه، فظلموا واستمرءوا الظلم، فإذا ببعضهم يظلم بعضاً، ويريد أن يحصل من الدنيا ما يستطيع تحصيله منها؛ لأنه لا يؤمن بالبعث يوم القيامة، ولا يؤمن بأن الله سيجازيه على ما فعله في هذه الدنيا.
قال تعالى عنهم: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠]، قوله: (ضللنا) بمعنى: غبنا، وضل الشيء بمعنى غاب، وبمعنى تاه وانمحى أثره، فلم يوجد ولم ير، كما نقول: ضل السمن في اللبن، أي: اختفى السمن بداخل اللبن، فصرت لا ترى هذا السمن الذي في اللبن؛ لأنه بداخله مختلط به، وهنا ضل الشيء في الشيء، بمعنى غاب فيه وتاه فيه فلم يوجد له أثر، فكأنهم يقولون: أئذا متنا وأهلكنا الله عز وجل وصرنا تراباً بداخل هذه الأرض، فهل سنرجع مرة ثانية؟! هم استبعدوا هذا الشيء، وكأنهم لم ينظروا إلى بدء خلقهم، وهم يرون في كل يوم أناساً يحييهم الله وأناساً يميتهم الله، ويرون النبات يحييه الله ويميته الله، ويرون الحيوان يحييه الله ويميته الله سبحانه وتعالى، وكأنهم لم يعقلوا ذلك، وقد قال الله في الآية التي قبلها مبيناً خلق الإنسان: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾ [السجدة: ٧ - ٩]، هذه حواس الإنسان، فالله تعالى جعل للإنسان سمعاً وبصراً وفؤاداً، حتى يعي وحتى يفهم وحتى يعقل وحتى يستيقن من الأشياء التي حوله، ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: ٩]، مع وجود أسماعهم يسمعون، ولكن سمع من لا يعقل، مع وجود أبصارهم يبصرون ولكن بصر من لا يهتدي، مع وجود قلوبهم فهم لا يعقلون ولا يفهمون، ولذلك قالوا هذا القول الذي قالوه واستبعدوا الرجوع مرة أخرى، ونسوا أن الله أوجدهم من عدم، وأنهم كانوا لا شيء، قال عز وجل: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: ١].
إذاً: فقوله: ((وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ)) أي: غبنا في الأرض وتهنا في الأرض وصرنا تراباً وهلكنا فيها.
قوله: ((أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)) أي: سنرجع مرة أخرى عظاماً ولحماً وآدميين حتى نجازى؟! قال سبحانه: ((بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)) أي: هم مكذبون وجاحدون بالبعث يوم القيامة، ولذلك الإنسان عندما ينسى الحساب وينسى أن الله يبعثه يوم القيامة، أو يتناسى ذلك أو يتغافل عنه؛ يظلم، ويأكل مال غيره، ويغتصب حق غيره، ويفعل ما يحلو له وما يشاء، طالما أنه قادر على الناس.


الصفحة التالية
Icon