تفسير قوله تعالى: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق)
قال الله سبحانه: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ: ٦] نحن ذكرنا أن سورة سبأ سورة مكية، واختلف العلماء في آية واحدة فقط منها وهي هذه الآية، فبعض أهل العلم قالوا: هذه الآية مدنية بناء على تفسيرها، وباقي السورة مكية إلا هذه الآية.
((وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)) يعني: أهل الكتاب، وعلموا أن هذا هو الحق من عند الله، فدخلوا في دين الله عز وجل، كـ عبد الله بن سلام وغيرهم ممن دخلوا في دين الله سبحانه.
فقالوا: عبد الله بن سلام وغيره من أهل الكتاب لم يكونوا في مكة، والسورة نزلت في مكة، فدل أن هذه الآية نزلت في المدينة، ولكن أكثر المفسرين على أن الذين أوتوا العلم هم: المؤمنون، والقرآن أعظم العلوم، فهم الذين أوتوه، يعني: المؤمنون الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فتعلموا منه وعلموا، فهؤلاء أهل العلم، فالسورة كلها مكية.
﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [سبأ: ٦] أي: يرون ما نزل عليك من عند ربك سبحانه، يرون أنه ((هُوَ الْحَقَّ))، (أُنزل) هذا المفعول، (ويرى) بمعنى: يعلمون ويعتقدون ذلك، فيرى هنا تنصب مفعولين، فالمفعول الثاني هو الحق، و (هو) للتوكيد فيها، وفي غير القرآن يجوز (هو الحقُّ)، وهي قراءة شاذة، لكن القراءة التي في المصحف، وهي قراءة القراء كلهم: (هو الحقَّ)، فيرون القرآن هذا حقاً من عند الله سبحانه تبارك وتعالى.
((وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ))، الصراط: طريق الإسلام الذي يقود إلى الجنة، فهو الصراط المستقيم الذي يدعو المؤمن ربه في كل صلاة، وفي كل ركعة من صلاته بقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦].
إذاً: يرى أهل العلم أن هذا القرآن حق من عند الله سبحانه، ويهدي أي: يدل على طريق الله سبحانه تبارك وتعالى.
((وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ)) فهو الغالب الذي لا يمانع سبحانه تبارك وتعالى، والذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن فيكون، ومستحيل أن يكون على غير ما أراد الله سبحانه، فهو العزيز الغالب القاهر، الذي لا يغالب ولا يمانع أبداً، إذا أمر أمراً لا يستطيع أحد أن يمنع قضاءه سبحانه وقدره.
((الْحَمِيدِ)) أي: المحمود، المستحق للحمد العظيم، وهو: الثناء الجميل على الله سبحانه تبارك وتعالى بما هو أهل له.
(ويهدي إلى صراط) الصاد هنا فيها قراءات، فيقرأ قنبل عن ابن كثير، ويقرأ رويس أيضاً عن يعقوب، بإبدال الصاد سيناً (سراط)، ويقرأ باقي القراء (صراط) بالصاد، ما عدا خلف عن حمزة فيقرأ بإشمام الصاد زاياً، والمعنى واحد، فالصراط بمعنى: الطريق الذي يدل عليه هذا القرآن والذي يهدي إلى طريق ربنا سبحانه تبارك وتعالى.