تفسير قوله تعالى: (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق)
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧].
((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا)) أي: مستهزئين بالنبي صلوات الله وسلامه عليه كعادتهم فهم يستهزؤون بالحق، وهم يعرفون أنه الحق لجهلهم ولحماقتهم وتفاهتهم ولصغر عقولهم، فهم يتكلمون عن النبي ﷺ بكلام كاذب، يقول الله عز وجل: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧].
((هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ)) والعادة عندما تقول لشخص: دعني أدلك على رجل يفعل كذا وكذا، أن هذا الرجل مجهول، فلو كان الرجل معلوماً لقلت له: أدلك على فلان يفعل كذا، فكيف هذا وهم يعرفون النبي ﷺ تماماً؟! ويعرفون أهله صلوات الله وسلامه عليه، ولا يجهلونه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك يقولون هذا الكلام، هل ندلكم على رجل؟! تعالوا نريكم رجلاً، فقالوها هنا على وجه السخرية والتحقير لأمر النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكأنهم يجهلونه عليه الصلاة والسلام! فتعرف جهل هؤلاء وحماقتهم حين يدعو أحدهم ربهم سبحانه ويقول: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] فتعرف أنهم الجهلة، وأنهم أغبياء، وأنهم لا يفهمون ما يقولون، وهل هناك شخص عاقل يقول هذا الشيء؟! وهل يوجد شخص عاقل يقول لربه: يا رب! لو كان هذا الحق فأسقط علي حجارة من السماء، فأمتني؟! فالعاقل لا يقول هذا أبداً، العاقل يقول: يا رب! لو كان هذا الحق من عندك فاهدني إليه، ودلني عليه، وخذ بيدي إليه، أما الذي يقول: يا رب! لو كان هذا حقاً فأمطر علي حجارة، فهذا جاهل مغفل، لا يفهم ما يقوله.
وهؤلاء الكفار يقولون ذلك، ويدعون على أنفسهم، ويقول قائلهم: ﴿رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦]، والقط: صحيفة العذاب، يعني: هات لنا العذاب من الآن، لن ننتظر حتى يوم الحساب! في عقولهم غباء عجيب، وإذا دخلوا في الإسلام إذا بالله عز وجل يكشف عنهم ذلك، فينظرون إلى أنفسهم ويضحكون على أنفسهم.
فقد كان الصحابة يجلسون مع النبي ﷺ بعد صلاة الفجر في المسجد، وقد أخبرهم عن فضل الجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد حتى يصلي ركعتي الضحى، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة ثم مكث في مصلاه يذكر الله حتى طلعت الشمس ثم صلى ركعتين، كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة).
فكان الصحابة يحرصون على ذلك، فيجلسون مع النبي ﷺ يذكرون الله عز وجل، فإذا أشرقت الشمس، فليس وقتاً للصلاة عند شروق الشمس، فيتكلم بعضهم مع بعض، ويتحدثون عما كانوا يفعلون في الجاهلية، قال قائلهم: فكنا نتحدث بما كنا نصنع في الجاهلية، فنضحك ويسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم، فيتبسم صلوات الله وسلامه عليه، يعني: كان يحكون الجهالات والحماقات التي كانوا عليها قبل دخولهم في دين الله سبحانه.
أليس الله يقول لنا: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٨ - ٩]؟ أليس هؤلاء الذي كانوا يئدون بناتهم في الجاهلية، يسلم أحدهم ويحدث النبي ﷺ بما صنع في جاهليته، وأنه أخذ ابنته وحملها وذهب بها وحفر لها حفرة في الأرض، وكان التراب يصعد على وجهه وابنته تمسح لحيته من التراب، وهو يحضر قبرها، ثم يدفنها في قبرها ويفرغ فوقها التراب! هذا في الجاهلية، ويذكر الرجل ذلك في الإسلام فيبكي على حاله، ويبكي على ما صنع في جاهليته، ولولا أن الله سبحانه تبارك وتعالى جعل الإسلام يجب ما قبله، لكان أمره عظيماً عند الله سبحانه.
يقول الله سبحانه: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٨ - ٩] ما هو الذنب الذي فعلته هذه الفتاة التي يئدها والدها؟! وقد تكون قد كبرت فيئدها، ويدفنها وهي حية، وهذا فعل أهل الجاهلية، وفعل الكفار، فيستحقون عقوبة رب العالمين سبحانه على كفرهم وعلى تكذيبهم، وهذه عقولهم التي أضلهم الله عز وجل، فلم يعرفوا الحق، فاتبعوا الهوى، وفعلوا هذا فسخروا من النبي صلوات الله وسلامه عليه، قالوا عنه: مجنون، وهذا شيء يقوله بعضهم لبعض، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] يقول لكم: إنكم عندما تموتون وتتمزقون في الأرض وتذهب العظام، ويذهب اللحم، ويذهب الجسم كله؛ سترجعون مرة ثانية، حتى يحاسبكم ربكم، فهل هذا الشيء معقول؟! يكذبون ويقول بعضهم لبعض على وجه السخرية والتهكم.