عظم خلق الملائكة
قال الله سبحانه عن نفسه: ﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر: ١]، أخبرك الله عز وجل عما ترى في السماء من العجب، وأخبرك أن الأرض فيها العجب، فأنت نظرت فوجدت ما قاله الله حقاً.
والآن يخبرك عز وجل عما لا تراه، فتصدق كما صدقت في الأول، فالملائكة خلق من خلق الله سبحانه وتعالى، جعلهم الله عباداً له مطيعين، كما قال عنهم: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦]، فمنذ أن خلقت الملائكة إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى وهم يعبدون الله ولا يعصون لله أمراً، هؤلاء الملائكة أخبر سبحانه أنه خلقهم: ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر: ١].
وقوله: ﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر: ١] أي: رسلاً بين الله عز وجل وبين من شاء ممن اصطفاه الله من خلقه، من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فينزل الملك بالوحي من السماء إلى الأرض، والعادة أن الذي ينزل هو جبريل، وقد ينزل الله عز وجل غيره، فمن الملائكة الرسل بين السماء والأرض جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، فإن ملك الموت رسول رب العالمين ليقبض أرواح الخلق، فجعل الله عز وجل من الملائكة رسلاً ينزلون إلى هذه الأرض، لما يشاءه الله سبحانه.
ولما سأل النبي ﷺ جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام: (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا)، يعني: أنت تنزل علينا في أوقات معينة فلماذا لا تأتي أكثر من ذلك؟ وجبريل عليه السلام يحب النبي صلوات الله وسلامه عليه، والنبي ﷺ يحبه، فأنزل الله عز وجل قوله: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [مريم: ٦٤])، فلا تشغل نفسك بذلك، واشغل نفسك بعبادة الله سبحانه وتعالى الذي يرسل الملائكة، واشغل نفسك بالمرسِل وهو الله سبحانه وتعالى عن هذا المرسَل الذي يأتي إليك بأمر الله سبحانه.
وهؤلاء الملائكة العظام عليهم السلام جعل الله عز وجل لهم أجنحة، وأنت تتفكر: لماذا الأجنحة؟ هل هي ليطيروا بها؟ فالمسافة التي بين السماء والأرض مستحيل أن يقطعها صاروخ، أو تقطعها طائرة أو نحو ذلك، لكن الملك يقطعها في وقت قليل جداً، قال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥]، ونزول الملك إلى هذه الأرض يكون في وقت يسير جداً، فقد كان ينزل من السماء إلى النبي ﷺ بكرة وعشياً في الصباح وفي المساء، والوقت الذي ينزل فيه لا يقدر مخلوق أن يصل إليه إلا في هذا القدر: ألف سنة، فلذلك خلق لهم الأجنحة ((مثنى))، كلمة (مثنى) معناها: اثنين اثنين، ((وثلاث)) يعني: ثلاثة ثلاثة، ((ورباع)) يعني: أربعة أربعة، يعني: من الملائكة من لهم جناحان جناحان، ومنهم -من الملائكة- من له ثلاثة ثلاثة، ومنهم من له أربعة أجنحة، فيقضون أمر الله سبحانه وتعالى بحسب ما يأمرهم سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر: ١] هل هذا أكبر عدد؟ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه رأى جبريل على هيئته التي خلقه الله عز وجل عليها مرتين له ستمائة جناح)، فكان له هذا العدد الضخم من الأجنحة التي خلقها الله عز وجل له.
وأما كيف تكون؟ فلا ندري، فهذا خلق الله، وهو خلق عظيم جداً رآه بين السماء والأرض على هذه الهيئة العظيمة، ولما صعد بالنبي ﷺ ليلة المعراج، ووصل إلى سدرة المنتهى إذا به يتواضع، إلى أن صار كالحلس البالي، والحلس هو: الشيء الذي تضعه فوق الجمل حتى تقعد عليه، هذا الملك العظيم الذي سدت أجنحته ما بين المشرق والمغرب لما وصل إلى سدرة المنتهى تواضع، فإذا به كالحلس البالي من تواضعه للرب سبحانه وتعالى.
وجاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي ﷺ رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح)، وحدث النبي ﷺ عن بعض ما رآه في الملائكة فقال: (أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)، وإذا كان طول عنقه على هذه الهيئة، فكيف بباقي جسده؟