تفسير قوله تعالى: (الذين كفروا لهم عذاب شديد)
قال الله سبحانه: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [فاطر: ٧]، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر: ٧]، أي: الذين كفروا فتابعوا الشيطان وقد حذرهم الله سبحانه، فكفروا بالله، وأنكروا نعم الله سبحانه، وجحدوا ربهم سبحانه، وأشركوا معه غيره فعبدوا غير الله، وجعلوا آلهة مع الله سبحانه، فلهم عذاب شديد.
وإذا قال الله عذاباً شديداً، فمهما تخيلت فلن يصل بك خيالك لشدة هذا العذاب، قال سبحانه: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٨ - ٩]، ومعنى أمه: ما يؤمه ويقصده، فيؤم ويقصد ويدخل إلى الهاوية التي تهوي به في نار جهنم والعياذ بالله، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ [القارعة: ١٠]، لم تر أنت هذه الهاوية من قبل، ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة: ١١]، أي: مشتعلة مستعرة قد بلغت أقصى درجات الحرارة والعياذ بالله.
وهؤلاء هم الذين يأتون يوم القيامة ويذكرهم ربهم قائلاً: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٦ - ١٠٧].
وحالهم في النار أنهم عابسوا الوجوه: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ [عبس: ٤٠ - ٤٢]، وقد كلحت وجوههم: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤]، أي: كلحتهم النار وشوتهم والعياذ بالله، فإذا نظر الإنسان إلى صورة إنسان قد احترقت فتجد أن شفته العلوية تقلصت إلى أعلى، وشفته السفلى إلى أسفل وبدت أسنانه، ولعل هذا يموت في الدنيا فيستريح مما هو فيه، لكن أما أهل النار فلا يستريحون.
أما المؤمنون، فبرحمة الله العظيمة الواسعة يدخلهم جنته، وهم فيها ينعمون، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [فاطر: ٧].
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [فاطر: ٧]، وليس المقصود بالإيمان الإيمان بالقول فقط، ولكن المؤمن من آمن بالقول وعمل الأعمال الصالحة فأتى بأركان الإسلام، وأتى بما فرضه الله عز وجل عليه، فلا بد من العمل، ولا يغتر الشخص بقوله: أنا مسلم ويترك العمل.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [فاطر: ٧]، فآمن بقلبه وظهر أثر إيمان القلب على اللسان بذكر الله عز وجل، وعلى الجوارح بأعمال الطاعة لله سبحانه تبارك وتعالى، والخوف من الله سبحانه، والرغبة والرجاء في الله سبحانه، وحب الله وأولياء الله، وبغض أعداء الله من الكفرة والمشركين والمنافقين.
قال تعالى: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [فاطر: ٧]، أي: يغفر الذنوب ويمحوها تبارك وتعالى، ويسترها ويكفرها، ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١١]، وأعظم الأجر جنة الخلود، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.