بين يدي تفسير سورة الزمر
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزمر: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ * خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر: ١ - ٦].
هذه السورة التاسعة والثلاثون من كتاب ربنا سبحانه وتعالى وهي سورة الزمر، وسورة الزمر من السور المكية، قيل: إلا بعض الآيات منها نزلت في المدينة، والراجح: أن جميع آيات هذه السورة آيات مكية.
وعدد آياتها: خمس وسبعون آية، واختلف علماء العد في هذه الآيات، فذهب من عد من الحجازيين والبصريين إلى أن عدد الآيات فيها: اثنان وسبعون آية، وفي العد الشامي: ثلاث وسبعون آية، وعد الكوفيين: خمس وسبعون آية، وكما ذكرنا قبل مراراً: أن علماء القرآن في عدهم الآيات ينظرون أين وقف النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون وقوف النبي ﷺ على الفاصلة وهي رأس الآية، وقد يقف النبي ﷺ على موضع من المواضع فيكون رأس آية عند بعض علماء القرآن، ولا يكون رأس آية عند البعض الآخر، فهذا سبب الخلاف.
ففي قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣]، فقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)) غير الكوفيين يعتبرون هذه رأس آية، وعند الكوفيين ليست رأس آية، وإنما ما بعدها ((إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)).
وعد الكوفيين قوله سبحانه: ﴿دِينِي﴾ [الزمر: ١٤] هذه رأس آية.
وقوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: ٢٣] رأس آية، وقالوا: قوله تعالى: ((فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) جاءت مرتين: والمرة الثانية عدوها رأس آية.
وكذلك قوله: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٣٩]، ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] عدها الكوفيون والدمشقيون ولم يعدها غيرهم.
وقوله: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِي﴾ [الزمر: ١٧] تركها المكي والمدني الأول في هذه السورة، وعد مكانها: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [الزمر: ٢٠] إذاً: هنا لا نقول: عدوا اثنين وسبعين آية، أو عدوا ثلاثاً وسبعين آية، أو عدوا خمساً وسبعين آية، بل هي موضع الوقف، أين وقف النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالبعض يقول: وقف في هذا الموضع، إذاً: هذا رأس آية، والبعض الآخر يقول: لا، وقف هنا لانقطاع النفس وليس رأس الآية، وإنما رأس الآية التي بعدها، والآيات هي نفسها آيات هذه السورة، ولكن الخلاف أين وقف؟ فالاختلاف في ذلك.