أدلة وحدانية الله في سورة الزمر وبعض ما ذكر فيها
في هذه السورة الاستدلال على وحدانية الله سبحانه، وأنه الواحد سبحانه وتعالى الذي لا شريك له، ويذكر لنا الدلائل على ذلك، بأنه خلق السموات والأرض سبحانه وتعالى، وخلق الإنسان من هذه النطفة، وأنزل لنا سبحانه وتعالى ثمانية أزواج من هذه الأنعام.
كذلك يذكر لنا التطور العجيب في خلق الإنسان من نطفة أمشاج سبحانه وتعالى، وطوره إلى أن كان جنيناً في بطن أمه ونزل طفلاً، ثم صار بالغاً، ثم صار شيخاً، فأطوار خلق هذا الإنسان ينبهنا على أن هذا الإنسان كان ضعيفاً ويصير في النهاية إلى الموت بعدما يكون شيخاً كبيراً.
أيضاً: فيها الاستدلال من فعل هؤلاء المشركين على حاجتهم إلى الله سبحانه وتعالى، طالما أنت محتاج إلى الله تقول: يا رب يا رب، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الزمر: ٨]، فالإنسان محتاج إلى الله سبحانه، يجأر إليه في وقت الضر فيقول: يا رب يا رب، فطالما أنك محتاج إلى الله فلماذا لا تعبده في كل وقت؟ وما الداعي لأن تشرك به سبحانه وتعالى؟ كذلك فيها الدعوة إلى التدبر في هذا القرآن، قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣] هذه دعوة للتدبر في هذا القرآن، والله نزل أحسن الحديث؛ إذ كانوا يسمعون الأحاديث من العرب، كانوا يسمعون أخبار الفرس وغيرهم والنوادر والحكايات، وكانوا يقولون الأشعار، فيخبرهم الله أن أحسن حديث عندكم هو كتاب الله سبحانه وتعالى، نزله الله يشبه بعضه بعضاً في الحسن والإتقان والإحكام، ليس فيه أننا نقول: هذه الآية محكمة ومتقنة وهذه الآية ليست كذلك، بل كل القرآن على هذا المستوى الراقي العالي المعجز للخلق جميعهم، فيتحدى الله خلقه بالقرآن كله، أو ببعض هذا القرآن أن يأتوا بسورة من مثله فلا يستطيعون، فهو متشابه في الحسن وفي الجمال وفي الإتقان، وفي الإحكام وفي الإعجاز كله يشبه بعضه بعضاً في ذلك.
وهو مثانٍ يكرر الله عز وجل فيه التثنية، ويكرر فيه الحكم والمواعظ والقصص على نحو عجيب فريد، فتسمع القصة في سورة فتعجب لجمالها، فتسمعها في سورة أخرى فتتعجب كيف يتنوع الأمر والسورة والقصة واحدة مذكورة هنا ومذكورة هنا، ومذكورة هنا! وفي كل موضع توافق السورة ولا تخالفها في هيئتها وتجد فيها من الحكم الشيء العظيم.
كذلك في هذه السورة تنبيه الناس إلى كفرهم بالله سبحانه، وعدم شكرهم نعمته، يعطيهم الله النعم فلا يشكرونه سبحانه وتعالى، فينبههم إلى أن يشكروا الله؛ لأن الإنسان الذي يشكر الله يشكر نفسه، والنفع يعود إليه، والضر ليس على الله وإنما ضره عليه.
كذلك فيها المقابلة بين حال أهل التوحيد، وبين حال أهل الشرك، كيف أن أهل التوحيد استحقوا دخول الجنة، قال تعالى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [إبراهيم: ٢٣]، وأدخل الذين كفروا نار جهنم والعياذ بالله، هذا مآل المؤمنين، وهذا مصير الكافرين.
كذلك فيها التحذير مما حل بالأمم السابقة، وهذه من خصائص السور المكية، فالله سبحانه يحذر الناس أن يحل بهم من العقوبات ومن المثلات ما حل بالذين من قبلهم.
كذلك يعلم الله عز وجل المشركين في هذه السورة أنه لا يعبأ بهم سبحانه وتعالى، فليس لهم عند الله سبحانه وتعالى منزلة إلا أن يعبدوه وحده لا شريك له؛ فإذا كانوا هم وأصنامهم وشركاؤهم لا قيمة لهم إلا بأن يوحدوا الله وأن يدخلوا في دين الله، ففيها أنه يتحدى هؤلاء فيدخلهم يوم القيامة النار، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١].
إذاً: أدخل الذين كفروا إلى النار زمراً وأفواجاً، فإذا دخلوا النار بكتوا بهذا الذي يقوله لهم ربهم، وتقوله لهم ملائكة الله سبحانه، وجوزوا يوم القيامة بما أنكروه في الدنيا، فقد أنكروا البعث، وأنكروا الحساب والجزاء، فجوزوا بذلك يوم القيامة، وهذا كله في سياق هذه السورة وغيره كثير مما نراه في هذه السورة المكية العظيمة.