معنى قوله تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الزمر: ٣] يعني: الذين عبدوا أصناماً من دون الله سبحانه، والأولياء جمع ولي، والولي: القريب فتقول: هذا وليي، أي: هذا قريبي، فيتخذ ولياً قريباً له أو شيئاً قريباً منه، يتخذه مدافعاً له وحامياً ومناصراً وناصراً له، فالأولياء اتخذوا هذه الأشياء من دون الله سبحانه وتعالى يتقربون إليها ويطلبون أو يرجون نفعها، وأن تمنع عنهم ضراً من الأضرار، أو أنها تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى.
فهؤلاء اتخذوا أولياء من دون الله يوالونهم ويعادون فيهم، فهذه الولاية يقول الله سبحانه فيها: ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا} [الزمر: ٣]؛ لأنهم يقولون ذلك، يدافعون عن أنفسهم حين يقال لهم: هذه الأصنام التي تعبدونها هل تنفعكم وتضركم؟ هل تملك لنفسها ذلك فضلاً عن أن تملك لغيرها؟ فيقولون: لا، هم يعرفون أنهم صنعوا الصنم بأيديهم، وهذا الوثن الذي يعبدونه هم الذي نقوه من الحجارة ومن غيرها، فالشيطان يلقي في قلوبهم هذه الحجة الباطلة، وهو قولهم: ما نعبدها إلا لتقربنا إلى الله سبحانه وتعالى.
يعني: كأنهم يريدون أن يقولوا: إن عبادتنا أصلاً لله، ولكن هذه الأصنام واسطة بيننا وبين الله سبحانه، من الذي جعل هذه الأصنام واسطة بينكم وبين الله سبحانه، فتعبدونها من دون الله وهي لا تملك لنفسها ولا لكم نفعاً ولا ضراً؟! فيقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] أي: ازدلافاً إلى الله وتقرباً إليه سبحانه وتعالى بذلك.
والإنسان حين يتقرب إلى الله لا يتقرب إليه إلا بما شرعه سبحانه وتعالى، ولا يصح للإنسان أن ينقي لنفسه عبادة من العبادات، ويقول: سأتقرب إلى الله بالشيء الفلاني، وإذا كان الإنسان يأنف أن يعطي له آخر شيئاً على وجه الهدية إلا أن يكون يحب هذا الشيء الذي يهدى إليه، ويأنف أن يأخذ شيئاً هو يبغضه من إنسان يريد أن يهديه هذا الشيء الذي يبغضه، فكيف يتقرب إلى الله عز وجل بما يكره الله سبحانه وتعالى ولا يرضاه هو لنفسه؟ فالله سبحانه يخبر عنهم أنهم يجادلون بالباطل ويقولون: إنها تقربنا إلى الله زلفى.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: ٣] أي: يوم الفصل يوم القيامة، ﴿يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: ٣]، فيحكم بين أهل الأديان فيما اختلفوا فيه، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ﴾ [التوبة: ٣٠]، وقال المشركون: الملائكة بنات الله، عبد هؤلاء المسيح، وعبد هؤلاء عزيراً، وعبد هؤلاء الملائكة، وعبد هؤلاء الأوثان والأصنام، فالله يحكم بين هؤلاء الجميع فيما اختلفوا وزعم كل منهم أنه على الحق، فيجازي كل إنسان بما يستحق.
وجاء في الحديث أن الله سبحانه وتعالى يقول لعباده يوم القيامة: (ألا يحب من كان يعبد شيئاً في الدنيا أن يتبعه؟ فيقولون: بلى) أي: نريد، فمن كان يعبد الشمس يرى الشمس أمامه ويتبع هذه الشمس، فيجري وراءها حتى تهوي به في النار، ومن كان يعبد القمر يتبع القمر، ومن كان يعبد الجان يتبع الجان إلى النار والعياذ بالله، ومن كان يعبد المسيح يمثل له شيطان في هيئته فيتبعه إلى النار، ومن كان يعبد العزير يمثل له شيطان في هيئته فيتبعه إلى النار وهكذا، كل من عبد من دون الله سبحانه وتعالى آلهة اتبع هذه الآلهة إلى النار والعياذ بالله.