معنى قوله تعالى: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار)
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣] الذي كذب على الله وافترى على الله سبحانه وقال: الله يحب كذا والله يريد كذا، فأمر العباد بمعصية الله سبحانه وزعم أن الله يريد ذلك، وأمر العباد بالكفر وبالشرك بالله؛ استحق من الله أن يضله، والله يهدي من يشاء فضلاً منه سبحانه، ويضل من يشاء عدلاً منه سبحانه وتعالى، ولا يسأل عما يفعل، والإنسان لا يقول: لماذا فلان هذا ضال؟ ولماذا فلان هذا كان مهتدياً؟ الله يفعل ما يشاء سبحانه.
وليس الأمر بيد الإنسان ولا بيد المخلوق وإنما الهدى هدى الله، وكان النبي ﷺ يدعو ربه سبحانه لعمه أبي طالب أن يهديه الله، وأن يدخل في هذا الدين، وكان يدعو عمه لذلك حتى آخر حياته ومع ذلك قضى الله أن يموت أبو طالب على الكفر، وآخر كلمة قالها وهو يموت: هو على ملة عبد المطلب، والله يحكم ما يشاء سبحانه، وحزن النبي ﷺ وكان في غاية التألم والتوجع لعمه، فأنزل الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] أي: كلهم كانوا في ضلالة فهدينا من أردنا، ومن استحق ذلك هديناه، ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]، سبحانه وتعالى.
هذا عم النبي ﷺ الذي رباه والذي دافع عن النبي ﷺ ومع ذلك لم يدخل في دينه، وقد تمنى أن يدخل في الدين، ولكن خشي أن يقولوا: خاف من الموت فدخل في دين النبي صلى الله عليه وسلم! وهذا عجيب جداً، أن يموت على ملة عبد المطلب، أي: على الشرك بالله سبحانه وتعالى.
فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣]، من علم الله سبحانه وتعالى في قلبه الكفر، وفي لسانه التكذيب بهذا الدين، فالله أعلم به أنه لا يستحق ذلك، فقد كان النبي ﷺ يتمنى أن يعز الله عز وجل هذا الإسلام بأحد العمرين إما أبي جهل أو بـ عمر بن الخطاب، وكان الاثنان من أشد الناس عداوة للنبي صلوات الله وسلامه عليه، كلاً منهما يريد الفتك بالنبي ﷺ وبالمؤمنين، فمن الله سبحانه على عمر رضي الله عنه فدخل في هذا الدين، وخذل أبا جهل، وأصر على ما هو فيه حتى قتل وألقي في قليب بدر في يوم بدر، فالله يهدي من يشاء، وهو أعلم من يستحق الهدى فيهديه سبحانه، خلقه وعلم أن هذا للجنة سبحانه وتعالى، وخلق هذا للنار، والله يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، قال لنا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣].
والهدى من الله عز وجل على أمرين: يهدي بمعنى: يدل، وهذا للجميع، يدل المؤمن ويدل الكافر، ينزل الكتاب ويرسل الرسول عليه الصلاة والسلام، ويهدي بمعنى: يعين على التحويل، أي: يحول القلب من قلب منكوس إلى قلب معتدل مستقيم، فهذا لا يكون إلا للمؤمنين.
إذاً: يهدي الله عز وجل جميع خلقه بأن يدلهم على الصواب، قال تعالى: ﴿هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: ١٥٣]، والمؤمن له العون من الله يعينه الله سبحانه وتعالى، والذي يعلم الله عز وجل من قلبه أنه كاذب وأنه كفار، لا يعينه على أن يسلك الطريق السوي؛ لأنه لا يستحق ذلك، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣].


الصفحة التالية
Icon