معنى قوله تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم)
قال سبحانه: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر: ٦] فكلمة (أمهاتكم) في الوصل بما قبلها فيها ثلاث قراءات: قراءة الجمهور (في بطون أمهاتكم).
وقراءة حمزة (في بطون إمِّهاتكم).
وقراءة الكسائي (في بطون إمَّهاتكم)، هذه الثلاث القراءات في الوصل، والكل إذا بدأ من عندها قال: (أمهاتكم).
وكذلك كلمة (يخلقكم) فيها إدغام أبي عمرو ويعقوب يقول: (يخلكُّم).
ثم قال تعالى: ﴿خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ﴾ [الزمر: ٦] من المعلوم أن داخل الإنسان مظلم، ولا يكون منيراً إلا ما ينير الله عز وجل من قلوب وبصائر بفضله وبرحمته سبحانه وتعالى.
فالله عز وجل يخبر بأشياء عجيبة جداً لم يتبينها الإنسان قبل ذلك فقال: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر: ٦] وهذا الخلق الذي يليه خلق يكون بداخل الجسد في ظلمات ثلاث ولكن ما هي الظلمات الثلاث؟ قالوا: خلق الإنسان يكون من البويضة ومن الحيوان المنوي، وهذه البويضة خرجت من المبيض في ظلمة بداخل المرأة وانتقلت من المبيض إلى قناة فالوب ظلمة أخرى وفي هذه القناة لعلها يأتي إليها الحيوان المنوي فيلقحها، وهي في هذه الظلمة بالداخل، وتنتقل بعد ذلك إلى داخل الرحم وقد لقحت أو لم تلقح، فانتقلت من ظلمة إلى ظلمة فخلق الإنسان في هذه الظلمات الثلاث التي لا يذكر منها الإنسان شيئاً.
كان عدماً فصار هذا الخلق الذي في ظلمات، من الذي رعاه في هذه الظلمات وحفظه أن يضيع؟ هو الله سبحانه تبارك وتعالى.
فحين نقول: إنه في الدفقة الواحدة التي هي نحو اثنين أو ثلاثة سنتيمتراً من مني الإنسان يكون فيها ملايين الحيوانات المنوية، والذي يلقح البويضة واحد فقط من كل هؤلاء؛ ليكون هذا الإنسان، فمن الذي اختار الواحد من هذه الحيوانات دون الملايين غيره؟! إن الله سبحانه تبارك وتعالى هو الذي قدر أن تلقح هذه البويضة فيأتي منها الإنسان، أو لا تلقح فلا يكون شيئاً، أو تنزل وهي على هذه الحال، أو يكون منها الإنسان إلى أن يصل إلى مرحلة معينة وبعد ذلك يموت.
فالله عز وجل على كل شيء قدير خلقكم في ظلمات ثلاث ليريكم أنه الذي حفظكم في هذه الظلمات.
ويونس على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما خرج مغاضباً لقومه، وظن أن الله لن يقدر عليه، وركب في السفينة؛ فإذا بالسفينة تهيج عليها الرياح، وتعلوا عليها الأمواج، وتكاد أن تغرق بمن فوقها.
فقيل فيها: عبد آبق، فيقترعون؛ لينظر من الذي يلقى في البحر حتى تنقذ السفينة، فخرجت القرعة عليه ثلاث مرات، فألقى بنفسه في البحر، فجاء الحوت فالتقمه.
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنبياء: ٨٧] في ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، فمن الذي حفظه في هذه الظلمات حتى لا يموت ويهلك داخل بطن الحوت؟ إنه الله سبحانه وتعالى.
فلما تذكُر ذلك تذكَّر أنك أيضاً كنت في مثل هذه الحال في بطن أمك في ظلمات، والذي كان معك يرعاك ويهيئك ويقدر لك الخلق بعد الخلق هو الله الحنان المنان سبحانه وتعالى، فتتذكر نعمة الله عليك ورحمته بك وبوالديك فتشكر ربك سبحانه وتحمده.


الصفحة التالية
Icon