معنى قوله تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر)
الحمد لله رب العالمين وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزمر: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الزمر: ٧].
في هذه الآية يذكر الله سبحانه وتعالى لعباده غناه عنهم، وعن عبادتهم، فالله هو الغني الحميد، ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم: ١٩ - ٢٠].
خلق الله الإنسان في هذه الدنيا وجعل له الاختيار: إما أن يعمل العمل الصالح، وإما أن يعمل غير ذلك.
فالله خلق الإنسان وعلمه البيان، وجعل له في هذه الدنيا سبيلين كما قال سبحانه: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠]، فمن اتبع سبيل أهل السعادة كان من أهلها في الآخرة، ومن التزم طريق أهل الشقاوة كان من أهلها في الآخرة، ولا ينفع ربه بطاعته، ولا يضر ربه سبحانه تبارك وتعالى بمعصيته.
فقال لعباده: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر: ٧] فلو كفر العباد فلن يضروا الله سبحانه وتعالى شيئاً، وقد قال لهم في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً.
يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم؛ كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).
فلو كان جميع العباد على الطاعة لن ينفعوا ربهم بشيء، ولو كانوا كلهم على المعصية وعلى الكفر لم يضروا ربهم شيئاً، إنما ذلك راجع إلى العبد فهو الذي ينتفع بعمله، ولا يضر إلا نفسه.
ولذلك في تتمة هذا الحديث القدسي يقول: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله) أي: فالله الذي دله على الخير، والله الذي وفقه له.
(ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، فالإنسان حين يجد يوم القيامة سيئاته قد غلبت حسناته، وأنه صار من أهل النار؛ فلا يلومن إلا نفسه، فقد دله الله عز وجل على الحق فأبى إلا اتباع الباطل.
قال الله تعالى لنا هنا: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ [الزمر: ٧] أي: إن تعرضوا عن عبادة الله تبارك وتعالى، وتشركوا بالله سبحانه، ولا تشكرون ربكم، والكفر عكس الإيمان، وأصل كلمة الكفر: الستر والتغطية، فكأن الإنسان غطى على نعمة الله ولم ينسبها إليه، وجحد هذه النعمة ولم يشكرها.
يقول الله تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر: ٧] فهو غير محتاج لعبادتكم ولا تنفعه طاعتكم.
قال سبحانه: ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧] أي: لا يحب سبحانه وتعالى الكفر، ولا يرضى من عباده أن يكفروا به.
فإذا كان لا يرضى منهم ذلك؛ فإنه يحاسبهم ويعاقبهم عليه.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده ذلك فلم أوجد الكفر في هذه الدنيا؟ يقول سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: ٢].
فالله خبير بعباده وبصير بهم، لحكمة يعلمها سبحانه أوجد العباد في هذا الكون؛ ليكون منهم المؤمنون وليكون منهم الكافرون، وليس من حق العبد أن يعترض على ربه ويقول: لم خلقت الكفر؟ فالله أعلم وأحكم.
لكن بالإمكان أن نلتمس الحكم بعد التسليم، فمن ضمن الحكم: إظهار مقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأنه الرحمن العلي الحكيم القادر سبحانه وتعالى، وأنه المقدر لأمور عباده.
فالإنسان يعلم من صفات الله سبحانه أنه على كل شيء قدير، وأنه لو شاء لهدى الناس أجمعين، وأنه يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وأنه يحب منهم الإيمان، ويكره منهم الكفر والفسوق والعصيان.
فهو سبحانه يحب الإيمان ومع ذلك أوجد الكفر حتى يبتلى أهل الإيمان، ويظهر إيمانهم، هل هو إيمان بالله يدفعهم للعمل الصالح، والأمر المعروف والنهي عن المنكر أم هو إيمان باللسان فقط؟ فابتلى الله المؤمن بالكافر، وابتلى المطيع بالعاصي، وابتلى أهل السعادة بأهل الشقاوة.