مقدمة بين يدي سورة فصلت
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة فصلت بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ١ - ٨].
هذه السورة هي الحادية والأربعون من كتاب الله عز وجل، وهي سورة فصلت، وسورة فصلت واحدة من سبع سور بدأت بالحرفين (حم) أولها سورة غافر التي ذكرناها قبل ذلك، وآخرها سورة الأحقاف، وهذه السورة من السور المكية، ومجموعة السورة الحواميم يطلق عليها عرائس القرآن؛ لما فيها من جمال، وما فيها من حكم، وما فيها من آيات تخاطب المشركين بأمور تدل على وجود الله سبحانه، وأنه الخالق الذي يستحق وحده أن يعبد، وتناقش هؤلاء وتذكرهم ما حل بالسابقين من عذاب، وتذكرهم بالدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم أو من عذاب أليم وغير ذلك.
وتسمى هذه السورة بسورة فصلت، لأن الله عز وجل ذكر في أولها: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ٣]، وتسمى بسورة السجدة أو سورة (حم السجدة) يعني: السورة التي في أولها الحرفان (حم) والتي فيها السجدة، فهي الوحيدة من الحواميم التي فيها سجدة، كذلك تسمى بسورة المصابيح؛ لقوله تعالى: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [فصلت: ١٢] وكذلك ذُكر أنها تسمى بسورة (الأقوات) لأن الله عز وجل ذكر فيها: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] يعني: قدر في هذه الأرض الأقوات لأهلها فيها، كذلك هذه السورة تسمى بسجدة المؤمن، وسورة المؤمن هي سورة غافر، وكأنها السجدة التي بعد سورة المؤمن.
هذه أسماء هذه السورة.
وهذه السورة عدد آياتها اثنان وخمسون آية على العد البصري والشامي، وثلاثة وخمسون على العد الحجازي، وأربعة وخمسون على العد الكوفي، وكما ذكرنا قبل ذلك أن الخلاف في العد إنما هو بحسب الوقوف، فالبعض يعتبر هذه رأس آية فيقف عليها.
فيعدها، فالخلاف سيكون في الآية الأولى منها (حم) فسيعد الكوفيون هنا أن هذه رأس آية، فعند الكوفيين أن هذه السورة أربعة وخمسون، فيعتبرون (حم) هذه رأس آية، وعند غيرهم تعتبر هي وما بعدها آية واحدة، وكذلك قول الله عز وجل: ﴿فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣] فالوقف هنا عده الكوفيون رأس آية، وكذلك عده الحجازيون، وغيرهم اعتبر هذه وما بعدها آية واحدة، فالخلاف في العد هو خلاف في موضع الوقف هل هنا رأس آية أو ليس رأس آية؟ وقد قدمنا قبل ذلك أن سور الحواميم نزلت على ترتيب وجودها في المصحف، فأول ما نزلت من الحواميم سورة غافر وآخر ما نزل من الحواميم سورة الأحقاف، وكلها من السور المكية كما قدمنا قبل ذلك، فهذه السورة على الترتيب في النزول تعتبر السورة الحادية والستون، لكن في ترتيبها في عد المصحف تعتبر الحادية والأربعين.