أغراض سورة فصلت
وهذه السورة لها أغراض، والسور المكية أهم أغراضها: إثبات توحيد الله سبحانه تبارك وتعالى، ومناقشة أمر العقيدة والاستدلال على ذلك بما يراه الإنسان في هذا الكون العظيم من آيات تدل على الله سبحانه تبارك وتعالى، وعلى أنه وحده الذي يخلق فلا يستحق أن يعبد أحد سواه سبحانه تبارك وتعالى.
فأغراض هذه السورة منها التنويه بشأن القرآن العظيم، كما في قوله عز وجل: ﴿حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت: ١ - ٣] فذكر أن هذا القرآن نزل من عند رب العالمين الذي فصله سبحانه، فالله الرحمن الرحيم العزيز الحكيم سبحانه تبارك وتعالى هو الذي فصل لنا هذا القرآن، وذكر أنهم يعجزون عن معارضة هذا القرآن العظيم، وذكر في هذه السورة هدي هذا القرآن العظيم، وأنه هدىً للناس، وأنه معصوم من أن يتخلله الباطل، وأن الله عز وجل يؤيد النبي صلوات الله وسلامه عليه بما أنزله عليه من هذا القرآن العظيم الذي يبين للناس الشريعة والمنهاج.
كذلك يذكر لنا كيف تلقى المشركون هذا القرآن، قال عز وجل: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: ٥] فتلقوا هذا القرآن بالرفض؛ ورفضوه لأنهم خافوا من النبي صلى الله عليه وسلم، وحسدوا النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد رأوا أمامهم الآيات البينات، ولكن لم يعتبروا ولم يتعظوا غيرة وحسداً، كما قال عز وجل عنهم: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] فحسدوا النبي ﷺ وقالوا: لماذا أنت ينزل عليك القرآن؟! فكان الرد من هذا الباب ليس بكونهم لم يفهموا القرآن، بل فهموا وعلموا، ولذلك قال الله عز وجل: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: ٣] فهم يعلمون، وهم يفهمون لغة هذا القرآن، ويعلمون ما هي الفصاحة، وكيف تكون، وما هي البلاغة، وكيف تكون، فإن هذا اللسان العربي لسان واضح مبين، لذلك لم يريدوا أن ينقضوا شيئاً من هذا القرآن في بلاغته وفصاحته وجماله وحلاوته، وإنما كان أقصى ما يقولونه: ما معنى أنه نزل على النبي صلوات الله وسلامه عليه دون غيره؟ كذلك يخبرنا الله عز وجل عن إبطال مطاعن هؤلاء المشركين في هذا القرآن العظيم، ويذكرهم ربنا سبحانه بأنه نزل بلغتهم، فإنهم قالوا: إن القرآن تعلمه النبي ﷺ من بشر آخر، فأخبرنا الله عز وجل أن هذا الذي يزعمون أن النبي ﷺ تعلم منه لسانه أعجمي، وهذا القرآن لسان عربي مبين، فلو نزل هذا القرآن بلسان أعجمي لقالوا: أأعجمي وعربي؟! أي: كيف يكون القرآن بلسان أعجمي ونحن عرب نتكلم باللغة العربية، نريده عربياً، فلما نزل لهم باللسان الذي يفهمونه إذا بهم يعرضون، فأي عقول هذه؟ وهم شهدوا على أنفسهم فقالوا: في آذاننا وقر، وقلوبنا فيها أكنة مما تدعونا إليه، كما قال عز وجل حاكياً عنهم: ﴿وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: ٥].
كذلك يذكر الله عز وجل في هذه السورة بما يكون في هذه الدنيا من عذاب وعقوبة، كالذي حدث لقوم عاد وثمود، فقال: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣] وهم عرفوا ما الذي حدث بهؤلاء الأقوام السابقين، فكانوا يخافون من ذلك فيناشدون النبي ﷺ الله ويناشدونه الرحم ألا يصنع بهم ذلك، ومع ذلك لم يدخلوا في دينه صلوات الله وسلامه عليه! وذكرهم بيوم القيامة وكيف أنهم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، وتشهد عليهم جلودهم يوم القيامة، وأنهم يقولون لجلودهم ولأعضائهم: ﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت: ٢١].
كذلك يذكر لنا سبحانه ما يكون في يوم القيامة من مناقشات بين الكفار وبين من طلبوا من الله عز وجل أن يريهم هؤلاء الذين أضلوهم في هذه الدنيا وأضل بعضهم بعضاً، فلما أفاقوا على الموت وأفاقوا على القيامة وأفاقوا على النار قالوا: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ﴾ [فصلت: ٢٩] يقولون ذلك يوم القيامة وهم في النار، يقولون لله عز وجل: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا﴾ [فصلت: ٢٩] أي: ندهسهم بأقدامنا، وندوس عليهم بأقدامنا مثل ما عملوا فينا وورطونا في الدنيا وأدخلونا النار، فيبكون وهم في جهنم ويتمنون العودة إلى الدنيا، ولكن لا رجوع ولا إجابة لهؤلاء، ويتمنى بعضهم لبعض عذاب الضعف، فيقول الله: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ [الأعراف: ٣٨] أي: كلكم تستاهلون المضاعفة من العذاب، والعياذ بالله! كذلك ذكر لنا كيف كانوا في الدنيا يعرضون، ويوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض، كانوا في الدنيا يقولون: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] أي: لا تسمعوا لهذا القرآن، وحين يقرأ عليكم القرآن الغوا وتكلموا وباعدوه؛ بحيث ما أحد ينتبه له.
كم كادوا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورد الله كيدهم في نحورهم، ونشر دينه، ونصر نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وأخزى هؤلاء الكافرين.
كذلك يخبرنا عن المؤمنين السعداء نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠] انظر الفرق بين المؤمن وبين الكافر، فالكافر في النار وفي العذاب وفي الهوان وفي الذل، والمؤمن تتنزل عليه الملائكة في حال وفاته، وتطمئنه وتقول له: لا تخف؛ فأنت راجع إلى رب غفور رحيم، لا تحزن أنت مكانك في الجنة ولن تدخل النار، قال عز وجل: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٠ - ٣٢] إلى غير ذلك مما ذكر الله عز وجل من الآيات وما يسر الله في هذه السورة الكريمة.