الأمر بإقامة الدين والنهي عن التفرق فيه
وقد وصاهم الله بقوله: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، أي: أقيموا دين الله سبحانه وتعالى في أنفسكم وفي أهليكم على الأرض، وأقيموا دين الله بين الخلق، وبلغوا رسالات الله سبحانه وتعالى، واعملوا بشرع الله سبحانه وتعالى، فأقيموا دين ربكم سبحانه بتبليغه، وبالعمل بما فيه، وبأخذ الناس إليه، وبهداية الناس إلى دين الله سبحانه وتعالى، واستقيموا عليه، وأمروا قومكم بالاستقامة عليه.
ومن معنى: ((أقيموا)) هنا نفهم معنى قوله تعالى: ﴿أَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، أي: استقيموا عليها، وواظبوا عليها، وتوجهوا بها إلى الله سبحانه وتعالى، واجعلوها مستقيمة لا عوج فيها، فلا تعوجوا فيها، ولا تتركوها وتسرحوا عنها، ولا تغفلوا عنها، وإنما أقيموا الصلاة كما أمركم الله سبحانه وتعالى.
فنفهم الفرق بين قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وبين أن نقول: صلوا؛ فإن المطلوب هو إقامة الصلاة والاستقامة عليها وتقويمها وتعديلها على الوجه الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، وأيضاً الإخلاص فيها، وأن نكون بها بعيدين عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥].
وهنا قال: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ)، فأمر الله عز وجل الأنبياء والرسل بإقامة هذا الدين، ونحن أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، فأمرنا بذلك معهم، فيلزمنا ذلك بأن نقيم دين الله عز وجل في أنفسنا، ونحتكم إليه، ونعمل بشرعه، ونقيمه على أهلينا وعلى الناس، وندعو الخلق إلى دين الله سبحانه وتعالى، ونعلمهم ما هو هذا الدين الذي تركه الناس وراءهم ظهرياً.
وأنت إذا سألت إنساناً اليوم عن دين الله سبحانه لا يعرف أكثر من أنه يصلي ويصوم، ولا يعرف كثيراً عن دين الله تبارك وتعالى، وأما شرع الله وحدوده تبارك وتعالى فإنه غافلا عنها ناسٍ لها، بل لعله يزعم أن هذا كان في الماضي، وأما الآن فلا يوجد هذا الأمر، قال تعالى: ((أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه))، أي: في دين الله سبحانه، وإذا كان الحكم لله سبحانه وتعالى فكيف نتفرق ونحن نحتكم إليه؟ إذاًً: فلنأخذ دين الله ونُرجع الأمر إليه، ونَرجع إليه في جميع أمورنا، ونتحاكم إليه، فإنه الرب الواحد لا شريك له.
وقوله: ((ولا تتفرقوا فيه))، أي: في هذا الدين العظيم.