تفسير قوله تعالى: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)
قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤] أي: أن هذا القرآن محفوظ عند الله عز وجل في اللوح المحفوظ، وأم الكتاب أي: أصل الكتاب، وأصل الكتاب عند الله سبحانه وتعالى وهو اللوح المحفوظ، ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٨ - ٧٩]، أي: لا يمسه إلا ملائكة الله عز وجل، فلا يمسه إنس ولا جان، ولكن ملائكة الله الذين طهرهم واختارهم، هم الذين يمسونه، فشرف الله عز وجل هذا القرآن، وأخبر أنه في لوح محفوظ عند رب العالمين سبحانه، فمهما حاول الناس تبديله لا يقدرون ولا يجدون إلى ذلك سبيلاً، فالله حفظه عنده، وحفظه في صدور عباده المؤمنين، وأخبر أنه ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٨ - ٧٩]، فهذا عند الله عز وجل، فأولى أن يكون كذلك عند المؤمنين، فلا يمس القرآن إلا الإنسان الطاهر، تشبهاً بملائكة الله المطهرين الذين يمسون اللوح المحفوظ: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩].
وجاء عن النبي ﷺ أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، ويبقى هنا: القياس على ما عند الله عز وجل، والنص من النبي ﷺ أنك لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر، أي: طاهر من الحدث الأصغر أو الأكبر.
قوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا﴾ [الزخرف: ٤] أي: عند الله عز وجل، وقد عبر بنون العظمة وقوله: ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤] أي: عالٍ رفيع، لا يقدر أحد أن يناله إلا من اختاره الله وشرفه الله سبحانه وتعالى، ولا يقدر أحد على أن يبدله، فقد قال الله سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] فهو عليّ الشأن، مهيمن على غيره من الكتب، عليّ عن أن يناله أحد بتغيير أو تحريف أو تبديل.
قوله: ﴿حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤]، أي: محكم أحكمه الله سبحانه، فهو مشتمل على الحكم، ليس فيه تناقض، وليس فيه إشكال، حفظه الله عز وجل من النقص، وحفظه من التغيير.


الصفحة التالية
Icon