تفسير قوله تعالى: (والذي نزل من السماء ماء بقدر)
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الزخرف: ١١] فأرانا من آياته العظيمة سبحانه أنه نزل من السماء ماء بقدر، قال سبحانه: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨] فهو ينزل الماء من السماء أطناناً، تنزل على العباد في كل لحظة أطنان من الماء، لو أنه كثفها فجعلها في مكان واحد ونزلت على العباد لكانت طوفاناً على العباد وأغرقتهم، ولكن الله بفضله الكريم سبحانه جعلها موزعة على شكل قطرات على العباد حتى لا يهلكهم بذلك، ولو شاء لأنزلها جليداً من السماء فدمر العباد وكسر رءوسهم به، ولكن الله برحمته سبحانه ينزل من السماء ماء مباركاً على العباد غيثاً لهم، وينزله لهم رحمة منه سبحانه وتعالى بقدر ما يحتاجون، وعلى القدر الذي لا يهلكهم به سبحانه وتعالى، إلا أن يشاء له شيئاً، والله على كل شيءٍ قدير.
وقوله تعالى: ﴿فَأَنشَرْنَا﴾ [الزخرف: ١١] أي: فأحيينا.
قال تعالى: ﴿بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الزخرف: ١١] كما ترون الأرض الميتة يحييها الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٣٣] هذه الأرض الميتة أحياها الله سبحانه وتعالى، وأخرج منها الثمار، وأخرج منها الحبوب، ورأيتم كيف كانت مقفرة فصارت زاهرة مثمرة، تخرج ما فيها من ثمار، كذلك يخرج لله عز وجل أجسادكم وأبدانكم من الأرض بعد أن تموتوا وتذهب هذه الأجساد، وتذهبون إلى ربكم سبحانه، كذلك يحييكم مرة ثانية، قال: ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الزخرف: ١١] من قبوركم بعد أن صرتم رميماً وعظاماً.


الصفحة التالية
Icon